على وقع احتجاجات شعبية.. زعيم الحوثيين يطالب الشعب بمهلة ويتوعّد شريكه المؤتمر (تحليل خاص)

[ زعيم الانقلابيين عبدالملك الحوثي ]

على غير عادته من التهديد والوعيد في مواجهة الداخل والخارج، ظهر عبدالملك الحوثي لأول مرة، يتحدث بلغة تشبه لغة طامح سياسي، بدورة انتخابية جديدة. 

قسّم كلمته بمناسبة ذكرى الانقلاب عن أهم الأسباب التي دعته إلى قيادة تلك المعارك، ثم إنجازات جماعته، ثم وعوده الجديدة، في خطاب غلب عليه لغة الاستعطاف مع إصرار شديد على تمرير مشروعه الإجرامي.

خلا الخطاب الحوثي من التطرق للمفاوضات، وتفسير توجه جماعته نحو علاقة جديدة مع التحالف، كما لم يذكر أي تهديد إطلاقا رغم عرضه العسكري وتفاخره بما يمتلكه من أسلحة نحو السعودية ولا الإمارات. 

كما لم يتحدث عن خلايا المؤامرات والفتنة، رغم تطرقه إلى أن وسائل إعلام مضادة تشن حربا ناعمة ضد جماعته تستهدف الجبهة الداخلية، حسب زعمه.

محاولات لامتصاص الغضب الشعبي 

وفي محاولة منه لامتصاص الغضب الشعبي سرد الحوثي أبرز المشاكل والتداعيات التي كانت موجودة، بصورة عامة، دون ذكر أرقام أو بيانات، لأنها ستخذله بالتأكيد مقارنة مع الوضع الحالي.

اقتصاديا تحدث الحوثي عن سلسلة قرارات كانت تتخذها الحكومات الجمهورية السابقة، تسبب الغلاء، مثل "سياسة فرض الجرعة بعد الجرعة على الشعب"، وعن فساد هائل في الحكومات الجمهورية التي لم تقم بأي تنمية رغم توفر الموارد حد زعمه، في إشارة منه إلى طلب مزيد من الوقت، لجماعته لتلافي الأخطاء.

وهي فكرة وردت أيضا في أحد خطابات محمد علي الحوثي في صنعاء قبل أيام أيضا، حين قال امنحونا الفرصة، وكررها أيضا مهدي المشاط في ريمة: ما زال هناك وقت أمامنا لتحقيق ما نريد".

وفي محاولة يائسة لاستعادة علاقة متصدعة مع عناصر بعض القبائل التي قاتلت بجانبه طيلة سنوات، وجازاها بالسيطرة على أراضيها وعقاراتها وممتلكات رجال أعمالها، من صعدة مرورا بعمران وبقية المحافظات قال الحوثي في خطابه إن القبيلة في السابق كانت تتعرض للانتقاص والسب والشتم، وزراعة الفتن، في وقت تشهد معظم المحافظات تحت سيطرته اشتباكات متفاقمة لم تسلم منها حتى صعدة.

تناقض 

زعم الحوثي أن ثورته أنجزت "الاستقلال والسيادة" (يقصد الحوثي حصرًا حتى الآن بهذا المفهوم هو عداء الجمهورية والشعب اليمني ودول الخليج العربية وخاصة السعودية كهدف إيراني) لكنه اعترف بالوقت ذاته بأن التحالف ولم يقل العدوان "قام التحالف باحتلال أجزاء واسعة من البلد، وواصل سياسته العدائية في تمزيق النسيج الوطني...".

كما لم يفسر بأي حال مباشر أو غير مباشر مطالب جماعته بالأموال والمرتبات من السعودية، والمقابل الذي ستدفعه الجماعة حتما مقابل تلك الأموال التي ستحصل عليها إن اتفقت مع السعودية.

لم يجد الحوثي ما يتفاخر به من أداء جماعته بعد سنوات من عودة الإمامة للحكم بطريقة غريبة تجمع بين الإمامة في عقيدتها، والتجربة الإيرانية في هيكلها التنظيمي، والصيغة الكورية الشاملة في العزلة والاقتصاد والعلاقة مع الخارج، لم يجد شيئا إلا الأسلحة الإيرانية من صواريخ وألغام وطيران مسير وأسلحة أخرى، زاعما أن جماعته صنعتها. 

تتحدث كل التقارير التابعة للخبراء بمجلس الأمن وغيرها من مراكز الأبحاث والخبراء على أن جميع الأسلحة الحوثية هي من إيران قدمت إلى اليمن على هيئة مكونات متفرقة أعاد تجميعها بما فيها الصواريخ الجديدة التي أعلن عنها الحوثي في استعراضه العسكري.

وبينما حمل خطابه هجوما شديدا على النظام الجمهوري وحكوماته السابقة، باعتباره أساس المشكلة اليمنية الاقتصادية وغيرها، إلا أنه أرجع السبب في انهيار الخدمات والوضع الاقتصادي إلى دمار المؤسسات الهائل التي دمرت بالحرب وهي من إنجازات النظام الجمهوري حصرا.

وقال "استهدف المدراس والمستشفيات والأسواق، والمتاجر، والمصانع، والثروة الحيوانية، ووسائل النقل، والطرق، والجسور، والموانئ، والمطارات، واستهدف المباني الحكومية " ولم ينشئ الحوثي أي مؤسسة جديدة منذ سقوط العاصمة بيده سوى مؤسسات الجبايات الهائلة قسرا.

أهم أوجه التغير في خطاب الحوثي

في ظل الغضب المتنامي الذي يزلزل مليشيا الحوثي، توسل الحوثي بلغة هادئة ومختلفة في خطابه الأخيرة مقارنة بالخطابات السابقة، الأعذار له وعصابته بصوت هادئ ونبرة منخفضة" شعبنا العزيز: لقد كان من الطبيعي أن تكون الأولوية الأولى والكبرى هي التصدي ( للتحالف والحكومة)؛ إذ هي أولويةٌ بكل الاعتبارات: الإنسانيَّة، والأخلاقية، والدينية، والوطنية، ولا تزال أولوية، حتى يتم إنهاء التحالف والحصار والاحتلال، ولكننا لن نتجاهل الأولوية الأخرى، في تصحيح الوضع في مؤسسات الدولة، كهدفٍ أساسيٍ (لثورته المزعومة)، ومطلبٍ شعبيٍ نعمل على تلبيته".

ولم تكن هذه الأولوية موجودة في قاموس ودعايات الحوثي مطلقا، إلا قبل سقوط الجمهورية بيده، واستذكرها الآن كما استذكر بالأمس مهدي المشاط وعدا حوثيا قديما بتحويل مقر الفرقة الأولى مدرع إلى حديقة.

ولأول مرة يعترف الحوثي بأن جماعته تعتمد في إيراداتها كليا على الجبايات، وأورد الحوثي الكلمة بذلك اللفظ، واعترف بأنها مكلفة، لكنه لم يأمر جماعته التي تغتصب أموال اليمنيين بوقفها، كما اعترف لأول مرة بأن حكمه أرهق القطاع الخاص والمواطن، وحد من الاستثمار والتنمية الاقتصادية للقطاع الخاص، واعترف أيضا بالفساد في حكومته وتعطيل الأعمال.

ويعود الفضل في هذا الاعتراف للحراك الذي يقوده القطاع الخاص منذ أشهر عبر البيانات والإضرابات والتظاهرات والتهديد بالتصعيد ضد الحوثي وحكمه.

مع ذلك؛ أرسل الحوثي إشارة سيئة للقطاع الخاص والاقتصاد الوطني، بإبقاء اللجنة الاقتصادية العليا حين أشاد بدورها، وهي الحكومة الفعلية للحوثي، أو أحد أهم أدوات ومؤسسات الحكم النافذة التي تتبع الجهة الخفية الحاكمة في مليشيا الحوثي وفق تصريح سابق لأحمد سيف حاشد عضو مجلس النواب الموالي للجماعة.

وتشير هذه الإشارة إلى أن التغييرات التي أعلن الحوثي عزمه اتخاذها بعد أسبوع، لن تطال القوى الفعلية في حكومته، وأنها ستذهب إلى تصفية ما بقي من مؤسسات دولة، واستكمال مؤسسات دولته الانفصالية شمالا، وتعيين الشخصيات التي يثق بها شخصيا، مع دفع بالمجلس السياسي الأعلى ومعظم المؤسسات الحوثية في صنعاء إلى إعلان الترحيب بالتغييرات!!

مؤتمر صنعاء على قائمة الأهداف

حمل الحوثي التحالف والحكومة مسؤولية فشله في دفع مرتبات الموظفين والتنمية التي كانت قائمة قبل سقوط الجمهورية، بعد أن هاجم الجمهورية وحكوماتها بشدة، وقال إن السبب الرئيس لكل هذا الفشل هو التحالف، وحربه.

كما حمّل الحوثي مثلما فعل مهدي المشاط ومحمد علي الحوثي النظام الجمهوري والدستور والقانون واللوائح الداخلية مسؤولية فشله وتوعد بتغييرهم، في أبرز مؤشر على استهداف شريكه المؤتمر الذين يسميهم الموروث السابق والمدسوسين والخونة والعملاء وبعض من قادة جماعته غير الأكفاء.

ووعد بتغييرات واسعة تستهدف على ما يبدو المؤتمر الشعبي العام، وبعض المؤسسات الحكومية التي باتت تشكل صداعا له، مثل عضوية المجلس السياسي الأعلى، ومجلس الوزراء وربما تطال التغييرات مجلس النواب أو تجميد عمله.

حيث بدأ الحوثي فعلا بتمكين أصحابه الجدد بمؤسسة موانئ الحديدة أحد أهم المؤسسات الإيرادية في اليمن، في مناطق سيطرة الحوثي، بالتوازي مع اجتثاث شريكه المؤتمر منها تحديدًا.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر