"تخدم مصالحهم الذاتية".. كيف تهدد الاستجابة لمطالب الحوثيين بتقويض أي تقدم نحو سلام دائم باليمن؟

وسط جهود دولية لإحياء السلام الهش في اليمن، تفرض مليشيا الحوثي المدعومة من إيران شروطاً صارمة لعودتها إلى طاولة المفاوضات، تطالب الجماعة بدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية وبجزء من عائدات النفط كشرط أساسي لتحقيق السلام، ولكن هذا يخلق مشكلة.
 
ووفق تقرير لمعهد الشرق الأوسط «MEL» الأمريكي - ترجمة "يمن شباب نت" - "فإن دفع رواتب أعضاء الميليشيات والموالين لها من خلال الودائع المباشرة من شأنه أن يديم دورة الصراع ويعزز قواتهم وحلفائهم العابرين للحدود".
 
وأشار التقرير إلى أنه "لا يمكن إنكار الحاجة لتعويض موظفي الخدمة المدنية المتأثرين بالحرب"، لافتا إلى "أن مطالب الحوثيين التي تخدم مصالحهم الذاتية تهدد بتقويض أي تقدم نحو سلام دائم في الدولة التي مزقتها الحرب".
 
وأصبح تعليق رواتب القطاع العام قضية مشحونة سياسياً بسبب التحول الدراماتيكي لهيكل موظفي الخدمة المدنية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث أصبح العديد من موظفي الخدمة المدنية إما نازحين، أو مجبرين على التوجه إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، بينما فقد آخرون وظائفهم.
 
دعمت الأمم المتحدة خطة حكومية لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية على أساس كشوف المرتبات من عام 2014، عندما بدأت الحرب الأهلية، ليس من المستغرب أن الحوثيين رفضوا هذا الاقتراح على وجه التحديد لأنهم طردوا الكثير من موظفي الخدمة المدنية من وظائفهم وعينوا موالين لهم غير موجودين في قوائم 2014.
 
وفشلت جهود حل مشكلة رواتب موظفي الخدمة المدنية دون الدفع للحوثيين بشكل مباشر.  جاءت المحاولة الأولى لمعالجة هذه المشكلة في عام 2019، عندما صرفت الحكومة اليمنية رواتب ومعاشات 120 ألف موظف ومتقاعد في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.  تم ذلك وفقًا لقائمة الرواتب اليمنية لعام 2014 وشمل 50٪ من العاملين في التعليم العالي، وجزءًا من الأفراد العاملين في قطاع الصحة، وتلك الموجودة في جامعات مدينة الحديدة.
 
وصرفت الحكومة هذه الأموال من خلال شركة صرافة محلية، والتي تسنى لليمنيين الوصول إليها في جميع أنحاء البلاد، تم تنفيذ هذا الإجراء لضمان عدم تمكن الحوثيين من الحصول على اقتطاع - وهو ما يفعلونه حاليًا من معظم الموظفين في القطاعين العام والخاص الذين يدفعون لهم مباشرة. لكن في يناير 2020، عطلت مليشيا الحوثي دفع الرواتب من خلال حظر تداول العملة الصادرة عن البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن).
 


لم يتطرق المفاوضون وأصحاب المصلحة الدوليون أبدًا إلى مسؤولية الحوثيين في دفع رواتب موظفيهم المدنيين، على الرغم من أن الميليشيا لديها أكثر من مصدر دخل يمكن أن تعتمد عليه.  ووفقًا لتقرير صادر عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، بلغت القيمة الإجمالية للضرائب والإيرادات الأخرى التي جمعها الحوثيون في عام 2019 أكثر من 1.8 مليار دولار.
 
بالإضافة إلى ذلك، يستفيد الحوثيين من السوق السوداء لمشتقات النفط، وقد تجاوزت تقديرات الحكومة اليمنية لإجمالي الإيرادات التي حصلت عليها مليشيات الحوثي خلال عام 2020، مبلغ 4 مليارات دولار - أي أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي رواتب ومعاشات جميع موظفي الدولة في مناطق سيطرة الحوثيين.
 
ميليشيا الحوثي ليست شفافة بشأن استخدام الأموال العامة، إذ أشار تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة لعام 2021 إلى أن الحوثيين قاموا بتحويل 50 مليار ريال يمني من البنك المركزي اليمني في الحديدة، وهو ما يعد انتهاكًا لاتفاقية ستوكهولم التي نصت على إيداع الإيرادات المتأتية من الموانئ لدى البنك المركزي اليمني، بحيث تستخدم فيما بعد لدفع رواتب الخدمة المدنية.
 
علاوة على ذلك، منذ تنفيذ الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة بين الحوثيين والحكومة في أبريل 2022، كانت هناك زيادة كبيرة في عدد السفن التجارية وسفن المشتقات النفطية التي تصل إلى ميناء الحديدة، وكلها مفروض عليها دفع الضرائب والرسوم التي تفرضها الميليشيات.
 
وبحسب ما ورد تجاوزت هذه الإيرادات الضريبية والجمركية 213 مليار ريال (أقل بقليل من مليار دولار وفقًا لتقديرات الحكومة اليمنية) بين 2 أبريل و2 أكتوبر ما تم صرفه من الأموال لتغطية جزء من رواتب ومعاشات موظفي الخدمة المدنية. 
 
كل هذا يسلط الضوء على التفاوت الهائل بين الموارد المالية المتاحة للحوثيين واحتياجات الأفراد المتضررين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، مما يؤدي إلى عدم المساواة في الدخل وتعميق الأزمة.
 
 في النهاية، يريد الحوثيون تلقي مدفوعات رواتب موظفي الخدمة المدنية بالعملة الأجنبية ومباشرة حتى يتمكنوا من اقتطاع نسبة مئوية، في عام 2018، علقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) التحويلات النقدية إلى 9 ملايين يمني محتاج وسط ضغوط من المتمردين الحوثيين، الذين منعوا إنشاء مركز اتصال مصمم للحصول على تعليقات من المستفيدين خشية أن تكشف عن تلاعبهم بالتحويلات المالية.
 
علاوة على ذلك، اشتكى موظفو الخدمة المدنية في اليمن من أن الحوثيين يجعلون الوضع أكثر تعقيدًا مما هو عليه بالفعل من خلال فرض الازدواج الضريبي والرسوم الجمركية وضريبة الوقف.
 


بدون حل سياسي، يظل الوضع الاقتصادي في اليمن متردياً، حيث تراجعت عائدات النفط بنسبة 75٪ بسبب استمرار الحرب، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى تصفية المشاريع، والشركات لمغادرة البلاد، مما أدى أيضًا إلى توقف مفاجئ في التنقيب عن النفط وإنتاجه وكذلك تصدير الغاز الطبيعي المسال.
 
وفي حين تجاوزت عائدات النفط للدولة 2.5 مليار دولار في عام 2013، فهي الآن أقل من مليار دولار سنويًا منذ بداية الصراع، وهبطت مؤخرًا مليار دولار بالكامل بعد هجمات الحوثيين على ميناء النفط اليمني في الجنوب، وفقًا لتصريحات حديثة لرئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، يمكن لهذا المبلغ المخفض أن يغطي فقط رواتب موظفي الخدمة المدنية ومعاشات التقاعد في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، مع بقاء ما يكفي فقط للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات وتماسك مؤسسات الدولة.  ومع ذلك، يواصل الحوثيون المطالبة بحصة من عائدات النفط المتضائلة مع تجاهل الحقائق الاقتصادية الناجمة عن الصراع.
 
لا يوجد ما يشير إلى استعداد الحوثيين لتخصيص عائدات القطاع العام لدفع رواتب القطاع العام.  لا ينبغي السماح للحوثيين باختطاف هذه القضية الإنسانية لمصالحهم الخاصة أو لتمكينهم من الاستمرار في السيطرة على الشعب اليمني، في الواقع من خلال الاستفادة من الإيرادات المتولدة من الموارد الخاضعة لسيطرتهم، بما في ذلك النفط والغاز والموانئ، يمكن للحوثيين لعب دور حيوي في استقرار اقتصاد البلاد والمساعدة بشكل فعال في امتصاص الصدمات الإنسانية.
 
لهذا الغرض، يجب على الأمم المتحدة ضمان وصول المدفوعات إلى المستلمين المقصودين وعدم استخدامها لدعم الأنشطة الشائنة للحوثيين أو تمويل الموالين لهم، ويجب وضع آلية لضمان عدم استيلاء الميليشيات على الإيرادات أو صرفها بشكل غير لائق من قبل أي طرف في النزاع اليمني.
 
أخيرًا، يجب على الحكومة اليمنية السيطرة على مصادر الإيرادات الرئيسية في البلاد وضمان توزيعها العادل - وهذا ينطبق على الموارد المالية من قطاع النفط والعائدات الناتجة عن ميناء الحديدة والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. حيث ساعد عدم القيام بذلك حتى الآن بشكل فعال في تمويل الصراع.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر