في ظل غياب أي حل يلوح في الأفق.. هل تستطيع واشنطن إنجاح مساع تسوية حرب اليمن؟ 

تساءلت صحيفة "واشنطن بوست"، حول ما إذا كانت الولايات المتحدة، يمكن أن تساهم في إنجاح جهود السلام باليمن، مع قرب انتهاء الهدنة في 2 أغسطس، في وقت تبدو فيه الأطراف المتحاربة متباعدة بالإضافة لضعف نفوذ الدول الغربية على المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وكذا غياب أي حل سياسي يلوح في الأفق للصراع.


وأشاد الرئيس جو بايدن بزيارته إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، في مواجهة انتقادات لاجتماعاته المتفائلة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وغيره، في وقت أشار فيه إلى التقدم نحو إنهاء حرب المملكة الخليجية في اليمن.


ووصف الرئيس النجاح في تأمين التزام سعودي بتمديد هدنة مدتها أربعة أشهر تقريبًا بوساطة الأمم المتحدة - وهي الصفقة التي أسفرت عن أطول فترة توقف للقتال منذ دخول التحالف العسكري بقيادة السعودية الصراع في عام 2015 - كمثال على ما يصفه ب "القيادة الأمريكية النشطة وذات المبادئ" في الشرق الأوسط. 
 

ووفق تقرير للصحيفة الأمريكية «Washington Post» - ترجمة "يمن شباب نت" - "فإن المخاطر المتعلقة باليمن لاتزال كبيرة بشكل خطير، ففي حين أن الهدنة الحالية أوقفت معظم الغارات الجوية وأعمال العنف الأخرى التي أودت بحياة الآلاف من المدنيين، أدى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا إلى تعميق الكارثة الإنسانية التي تتفاقم ببطء في اليمن، ودفع عشرات الآلاف إلى ما يشبه ظروف المجاعة".
 

وفي حالة اليمن الهش، فإن كل انتهاك للهدنة يزيد من مخاوف الانهيار المفاجئ والعنيف، حيث أثار قصف الحوثيين، الأحد، على أحد أحياء مدينة تعز، وهي نقطة اشتعال مخاوف من هذا القبيل، حيث أسفر القصف عن مقتل طفل واحد على الأقل وإصابة 11 طفلاً آخرين، معظمهم دون سن العاشرة، بحسب الأمم المتحدة. 
 


وانتشرت صور الأطفال الجرحى وأحذيتهم الملطخة بالدماء على الإنترنت، مما أثار الغضب وأثار إدانة شديدة من مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الذي توسط في الهدنة ويحاول الآن التفاوض على نسخة موسعة منها.
 

قبل محادثات بايدن مع القادة العرب في مدينة جدة السعودية، حثه المدافعون عن حقوق الإنسان على الضغط على ولي العهد السعودي بشأن مزاعم وكالات المخابرات الأمريكية عن دوره في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018، إلى جانب سجل المملكة في المضايقات وسجن المعارضين. 
 

سخر بعض النقاد من محاولة البيت الأبيض في الفترة التي سبقت زيارة بايدن لتسليط الضوء على جهوده لإنهاء الحرب - والتي تضمنت 18 شهرًا من العمل الدبلوماسي وراء الكواليس - باعتبارها ورقة توت لزيارة كانت تهدف بشكل رئيسي لرأب الصدع مع دول الخليج وتعزيز إمدادات النفط العالمية. 
 

ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول في منظمة غير حكومية، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، قوله إن الإدارة الأمريكية فشلت في الاعتراف علنًا بدور السعودية في الحرب وسجلها في قصف المدنيين اليمنيين. 

وقال المسؤول: "إنهم يستغلون حرب اليمن للتلويح بملف حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، وهو ما يخلّ باليمن وأجندة حقوق الإنسان". 

وبدأ الصراع في عام 2014، عندما سيطر الحوثيون، وهم جماعة مسلحة من شمال اليمن خاضت عدة حروب ضد الحكومة المركزية، على العاصمة اليمنية صنعاء.  
 

في غضون بضع سنوات، استقرت الحرب في مأزق دموي بين الحوثيين والقوات المدعومة من السعودية، تاركة ما يقرب من 30 مليون شخص في اليمن تحت رحمة العديد من المخاطر المميتة: من الضربات الجوية والقصف والألغام الأرضية والجوع والفقر، وكانت الهدنة التي أُعلنت في أبريل/ نيسان هي الأولى منذ عام 2016، ورافقتها استقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه زعيم بعيد وعقبة أمام تسوية الصراع. 
 

ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن المحادثات نجحت في تأمين التزام صريح من القادة السعوديين - تم التعبير عنه بشكل خاص للوفد الأمريكي الزائر - بأن المملكة ستدعم تمديد الهدنة لستة أشهر، وهو أمر يعتقد الدبلوماسيون أنه أمر بالغ الأهمية بالنسبة لمنحهم مساحة للتوصل إلى تسوية سياسية دائمة. 
 

وقال المسؤول إن بايدن "أراد الابتعاد عن هذه الاجتماعات بالكثير من الأشيا ، لكن إحداها كان أن يشعر بقوة أن السعوديين ملتزمون".  وأضاف "النقطة التي ذكرناها لم تكن فقط متعلقة بتجديد الهدنة ولكن البناء عليها". 
 


لكن دبلوماسيين ومحللين قالوا إنه من غير المرجح أن تكون السعودية بحاجة إلى الكثير من الحث الأمريكي، حيث خلصت المملكة منذ بعض الوقت الى أنها بحاجة إلى تخليص نفسها من الحرب - وهو مستنقع للسعوديين لم ينجح في ترك الحوثيين مهزومين أو حتى إضعافهم، وأدى إلى سنوات من الانتقادات بشأن سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.
 

وقدم تمديد الهدنة للسعوديين شيئًا أرادوه بشدة: وقف الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيرة عبر الحدود التي استهدفت أيضًا الإمارات، شريك المملكة العربية السعودية في تحالف عسكري يقاتل الحوثيين. 
 

وقالت ميساء شجاع الدين الباحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية "الحرب انهكتهم اقتصاديا وسياسيا" في اشارة الى السعوديين. وأضافت أن ولي العهد "يريد مناقشة أي موضوع آخر غير اليمن". 
 

يعزو خبراء اليمن الهدنة، التي أُعلنت لأول مرة في أبريل/ نيسان وتم تمديدها لشهرين آخرين في يونيو/ حزيران، إلى حسابات السعودية المتغيرة وكذلك حسابات الحوثيين، الذين كافحوا قبل الهدنة للاستيلاء على مدينة مأرب الاستراتيجية. 
 

أسفرت الهدنة عن العديد من الإنجازات البارزة، بما في ذلك زيادة شحنات الوقود إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون. إعادة فتح مطار صنعاء للرحلات الدولية المحدودة. وانخفاض كبير في الخسائر المدنية والنزوح نتيجة للعنف. 
 

"الهدنة كانت تحولا بالنسبة لليمن" بحسب ما قاله غروندبيرغ في بيان هذا الشهر، مضيفا أنها "أحدثت فرقا ملموسا في حياة الناس". لكن كانت هناك العديد من العقبات، بما في ذلك رفض الحوثيين إعادة فتح الطرق عبر محافظة تعز، مما جعل السفر عبر اليمن يستغرق وقتًا طويلاً وخطيرًا. 
 

ورفضت مصر، وهي إحدى الدولتين اللتين تسمحان برحلات جوية دولية من صنعاء، حتى الآن قبول أكثر من رحلة طيران واحدة خلال الهدنة، مما دفع بايدن إلى مناشدة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصيا للسماح للمزيد من الرحلات بحسب أشخاص مطلعين على الأمر، والذين أشاروا إلى أن هناك أيضًا جهد جاري لتوسيع قائمة الوجهات من صنعاء.
 

بعد محادثات بايدن في جدة مباشرة، قال مسؤولون حوثيون إنهم رفضوا تمديد الهدنة مرة أخرى، ووصفوا الاتفاق بأنه "مخيب للآمال". وقال المسؤولون إنهم يأملون في أن يقبلوا في نهاية المطاف تمديد الهدنة، ولكن ربما ليس لفترة طويلة كما سعت الأمم المتحدة وإدارة بايدن. 
 

وقالت ميساء شجاع الدين بأن "الجميع يتحدث عن هدنة وليس تسوية سياسية"، حيث يتوقع للعملية السياسية أن تكون أكثر تعقيدًا بكثير، بالنظر إلى الانقسامات التي نشأت عن الصراع الطويل والتشاؤم من أن الحوثيين سيقدمون أي تنازلات، بالنظر إلى السلطة والأراضي التي حصلوا عليها. 
 


وقالت شجاع الدين إنه "لم يكن واضحًا على الإطلاق أن الولايات المتحدة لديها الرغبة في مواجهة تلك التعقيدات". 
 

وقالت: "بالنسبة لهم اليمن تمثل جنوب المملكة العربية السعودية."  وأشارت الى أن الولايات المتحدة يمكن أن تستخدم نفوذها للضغط على السعودية والإمارات لمساعدة اليمن في حقبة ما بعد الحرب، من خلال إعادة بناء البنية التحتية التي ساعدتا في تدميرها.  لكن الأمريكيين "ليس لديهم نفوذ على الحوثيين". 
 

يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم أجروا محادثات مباشرة وغير مباشرة مع نظرائهم الحوثيين، وأنهم يأملون في نهاية المطاف في إشراك إيران، التي يقولون إنها تواصل تقديم الأسلحة والدعم للحوثيين، في عملية السلام.  وأشاروا إلى أن طهران أصدرت مرتين بيانات دعم بشأن الهدنة. 
 

وقال المسؤول في وزارة الخارجية "سيأتي على الأرجح وقت يكون فيه من المناسب ضمهم".  لكنه أضاف: "لا أعتقد أن أي شخص مقتنع بأن هذا هو الوقت المناسب". 

وقال المسؤول: "إذا كان بإمكانك تمديد الهدنة وتوسيعها، أعتقد أن ذلك سيعطينا حقًا الثقة في أن أطراف النزاع ترى حقًا أن هذه هي اللحظة في الحرب" لبدء رسم حل طويل الأجل. 
 

ووفقًا لتحليل جديد من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، من المتوقع أن يعاني أكثر من نصف اليمنيين من انعدام الأمن الغذائي في الأشهر المقبلة، بما في ذلك أكثر من 160 ألف شخص يواجهون "ظروفًا شبيهة بالمجاعة".  لكن الوكالة، التي تواجه ارتفاعًا في أسعار السلع الأساسية بسبب الحرب في أوكرانيا، قطعت بالفعل الحصص الغذائية لليمنيين بسبب نقص التمويل.
 

قبل الحرب، اشترت اليمن التي تعتمد على الاستيراد أكثر من 30٪ من قمحها من أوكرانيا، وحصة كبيرة أخرى من روسيا، وفقًا لمنظمات إغاثة. 

وبينما كان التجار اليمنيون قادرين على شراء طن من القمح الأوكراني غير المطحون مقابل 240 دولاراً، كما تقول المنظمات، كان الخيار التالي الأفضل الآن هو القمح الأسترالي بسعر 470 دولارًا للطن.  وقد تُرجم ذلك بالفعل إلى ارتفاع أسعار الخبز وكميات أقل. 
 

في حين أن اتفاقًا جديدًا توسطت فيه الأمم المتحدة لاستئناف شحنات الحبوب الأوكرانية المحظورة، والذي تم الإعلان عنه يوم الجمعة، يمكن أن يساعد في تخفيف أزمة الإمدادات، لن يحدث ذلك على الفور، فبعد أقل من يوم من إعلان الصفقة في إسطنبول، ضربت الصواريخ الروسية ميناء أوديسا الأوكراني، مما يهدد الاتفاقية. 
 

وقال سكوت بول، كبير مديري السياسات الإنسانية في منظمة أوكسفام أمريكا، إن الاستجابة للأزمة المتفاقمة في اليمن لم تكن كافية. وقال "المانحون بحاجة إلى زيادة مساهماتهم الآن، وعلى أطراف النزاع تجديد الهدنة وضمان أنها ستقدم مزيدًا من الإغاثة في مرحلتها التالية كجزء من الطريق نحو السلام المستدام". 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر