الهدنة في اليمن تقترب من نهايتها.. ما الذي تغيرّ وما هي فرص تمديدها؟ (تقرير خاص) 

تقترب الهدنة الحالية في اليمن من انتهائها وسط ضغوط أمريكية وأممية على الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي لتمديدها ستة أشهر إضافية، رغم تعثر بنودها ورفض الحوثيين تمديدها، ومطلع يونيو/ حزيران الماضي، جرى تمديد الهدنة الحالية في البلاد لمدة شهرين، بعد انتهاء سابقة بدأت في 2 أبريل/ نيسان الماضي دون نجاح.
 

وقبل أسبوع من انتهاء الهدنة السارية، كثفت الأمم المتحدة وأمريكا عبر مبعوثيها إلى اليمن مساعيها من أجل تمديد الهدنة ومحاولة إقناع الأطراف اليمنية بالتوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب المستمرة منذ ثمانية أعوام، وخلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية (15 – 16 يوليو الجاري)، أعلن عن اتفاق مع الرياض من أجل "تعميق وتمديد" الهدنة التي تنتهي في الثاني من أغسطس/ آب المقبل.  
 

كما أجرى ممثلون من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات وسلطنة عُمان محادثات افتراضية يوم الاثنين (18 يوليو) لمناقشة تمديد الهدنة ووقف إطلاق النار بشكل دائم، والوصول إلى تسوية سياسية مستدامة تستند على الاتفاقات السابقة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
 

وتضغط الأمم المتحدة على الحكومة والحوثيين للاتفاق على تمديد الهدنة لستة أشهر، والتي ستكون الأطول منذ بداية الحرب – حال تم تمديدها، حسبما أفادت وكالة رويترز نقلًا عن مصدرين مطلعين. وكثف المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانس غروندبرغ اتصالاته مع الطرفين لدعم تنفيذ جميع عناصر الهدنة، واستكشاف احتمالات تمديد الهدنة.
 

وقال غروندبرغ في بيان له يوم الخميس (21 يوليو الجاري) إن "الهدنة الممتدة والموسعة ستزيد الفوائد للشعب اليمني، كما ستوفر منصة لبناء المزيد من الثقة بين الطرفين وبدء مناقشات جادة حول الأولويات الاقتصادية، لا سيما فيما يتعلق بتحصيل الإيرادات وصرف رواتب موظفي الدولة، فضلا عن الأولويات الأمنية بما في ذلك وقف إطلاق النار".  
 


موقف الحكومة والحوثيين

بينما تسعى الأمم المتحدة لتمديد الهدنة، يعتزم المجلس الرئاسي اتخاذ "قرارات حاسمة" لردع الحوثيين في حال استمرارهم في التصعيد ورفضهم لدعوات السلام. محذرًا من تبعات تراخي المجتمع الدولي عن ادانة خروقات الحوثيين للهدنة.
 

واستبعد وزير الدفاع اليمني الفريق محمد المقدشي أي فرصة لإحلال السلام في البلاد قبل استعادة الدولة من الحوثيين، في المقابل أعلن الحوثيون، رفضهم تمديد الهدنة واعتبروا بأنها "تجربة صادمة ومخيبة للآمال ولا يمكن تكرارها في المستقبل".
 

تتضمن الهدنة أربعة بنود تتمثل في وقف شامل لإطلاق النار، وتيسير دخول 18 سفينة تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة، والسماح برحلتين جويتين من وإلى مطار صنعاء كل أسبوع، بالإضافة إلى عقد اجتماع بين الأطراف للاتفاق على فتح الطرق في تعز، وغيرها من المحافظات لتحسين حرية حركة الأفراد داخل اليمن.  
 

ونُفذت معظم بنود الهدنة لاسيما تلك المتعلقة بدخول سفن الوقود إلى الحديدة وتسيير الرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء. وبحسب بيان المبعوث الأممي، فإنه تم تشغيل 20 رحلة ذهاباً وإياباً حتى الآن بين صنعاء وعّمان، ورحلة واحدة ذهاباً وإياباً بين صنعاء والقاهرة أقلت جميعها ما يزيد عن 8000 مسافر.  
 

ولفت إلى أن الهدنة نصت على دخول 36 سفينة وقود الحديدة خلال فترة الأربعة أشهر. موضحًا أن في الفترة بين 2 أبريل/نيسان و21 يوليو/تموز، دخلت 26 سفينة وقود ميناء الحديدة تحمل 720,270 طنًا متريًا من مشتقات الوقود.
 

أما فيما يتعلق بوقف إطلاق النار فلا تزال جبهات القتال تشهد خروقات يومية إذ يشن الحوثيون هجمات بين حين وآخر على مواقع قوات الجيش الوطني في مختلف الجبهات.  

وقال مصدر عسكري في وزارة الدفاع لـ"يمن شباب نت" إن خروقات الحوثيين تركزت في محافظات الحديدة (غرب) وتعز (جنوب غرب) والضالع (جنوب) وحجة وصعدة والجوف (شمال) ومأرب (شمال شرق)".  
 

وأوضح أن الخروقات تنوعت بين إطلاق نار على مواقع الجيش من سلاح المدفعية والعيارات المختلفة والقناصة والطائرات المسيرة المفخخة، فضلًا عن استحداث خنادق وتحصينات وشق طرقات فرعية.  

وأشار إلى مليشيات الحوثي ضاعفت تعزيزاتها البشرية والعسكرية خلال الهدنة الحالية، حيث دفعت بعشرات الأطقم والمدرعات ومئات العناصر إلى جبهات مأرب وتعز.  

وذكر أن الخروقات الحوثية منذ 1 يونيو وحتى 24 يوليو الجاري، بلغت أكثر من 4 آلاف خرقا نتج عنها مقتل 75 جنديًا من قوات الجيش الوطني وإصابة 264 آخرين.  
 


البند المتعثر

أما البند المتعلق بفتح الطرقات، لا سيما طرقات محافظة تعز لا يزال متعثرًا وسط دعوات دولية واسعة للحوثيين بفتح الطرق المغلقة منذ بداية الحرب عام 2015. وأخفقت جولتين من المفاوضات في  العاصمة الأردنية عمان بين الحكومة والحوثيين خلال شهر يونيو الماضي في التوصل إلى توافق حول ملف فتح الطرق الشائك، إذ يتمسك الحوثيون بمقترح أحادي يتضمن فتح طرق ثانوية في تعز، بينما تتمسك الحكومة بفتح الطرق الرئيسية التي كان المواطنون يسلكونها قبل اندلاع الحرب.  
 

ومنذ بدء الهدنة، قدّم المبعوث الأممي مقترحين لفتح الطرق آخرهما قُدّم في الثالث من يوليو، وتضمن فتح الطرق عبر مرحلتين؛ الأولى: فتح أربع طرق في تعز تضم طريق اقترحه المجتمع المدني، والثانية: طرق رئيسية في تعز ومحافظات أخرى، بما فيها مأرب، البيضاء، والجوف، والحديدة، والضالع.  
 

وقابل الحوثيون مقترحات المبعوث الأممي التي وافقت عليها الحكومة، بالرفض، وبدلا من ذلك قاموا في السادس من يوليو، بالإعلان من "جانب واحد" فتح طريق فرعي "الخمسين والستين" شمال غرب مدينة تعز. والطريق المعلن عنه استحدثه الحوثيون خلال الشهرين الماضيين.  
 

وفي الوقت ذاته اشترط الحوثيون خروج القوات الحكومية من تعز لفتح طريق الحوبان (شرق)، وهو طريق رئيسي تطالب به الحكومة والمجتمع الدولي بفتحه أمام المدنيين. في المقابل، أعلنت الحكومة "من جانب واحد" فتح طريق (المخا- البرح- تعز) والطرق الرئيسية، الرابطة بين الضالع ومحافظتي إب وصنعاء الخاضعتين لسيطرة الحوثيين.
 

وقال المواطن محمد بجاش لـ"يمن شباب نت"، إن الحوثيين استغلوا الهدنة لترتيب صفوفهم والتحشيد العسكري، مع تعنتهم لفتح طرق تعز وهذا يرجع إلى عدم رغبتهم في السلام وتراخي الموقف الدولي.  
 

واعتبر الحديث عن تمديد الهدنة من دون تنفيذ البند بفتح الطرق بأنه "استفزاز لأبناء تعز الذين لم يستفيدوا من الهدنة، ويعكس عدم اهتمام الأمم المتحدة بهذه القضية الإنسانية ورغبتها في تحقيق نجاحات على حساب معاناة السكان".  
 

وتخضع مدينة تعز (عاصمة المحافظة) التي تحيط بها الجبال، لسيطرة قوات الحكومة الشرعية، لكن الحوثيين يحاصرونها من ثلاث جهات منذ سبع سنوات، ويقصفونها بشكل مستمر. وهناك طريق وحيد يربط مدينة تعز بالعالم الخارجي وهو طريق هيجة العبد، وهو يعاني من الحفريات والتعرجات الوعرة الأمر الذي تسبب في توقف حركة السير أكثر من مرة.
 


لا مفاوضات قادمة

وفي هذا الجانب يقول عضو لجنة المفاوضات لفتح طرق تعز، نبيل جامل، لـ"يمن شباب نت"، إنه "نظرًا الضغوط المتوالية من المجتمع الدولي على الحوثيين لفتح طرق في تعز، ذهب الحوثيون لشق طريق جديد لا يعرفها أبناء تعز بين شارع الستين والخمسين باتجاه أهم المواقع العسكرية للحكومة الشرعية هو موقع الدفاع الجوي، ويروج إعلامهم أنه تم فتح طريق إلى تعز".  
 

وأرجع جامل رفض الحوثيين فتح طرق تعز وعرقلتهم تنفيذ كامل بنود الاتفاق الأممي إلى عدم إيمانهم "بالسلام و(أنهم) يخشون من أن فتح الطرق في تعز أو غيرها هو تطبيع للحياة وتنقل للمواطنين"، لافتًا إلى أن هذا الأمر "لا يخدم مشروعهم الفارسي الذي يعمل على تجهيل الناس واستخدامهم كعبيد"، حد تعبيره.  
 

وحول ما إذا كان المبعوث الأممي يسعى لعقد اجتماعات مقبلة بين الحكومة والحوثيين حول فتح الطرق، قال إنه "لا يوجد جولات قادمة للمفاوضات".  
 

وأشار إلى أن "استمرار تعنت الحوثيين ورفضهم لفتح الطرق، واستمرار ضعف الضغوطات الدولية واكتفاء مكتب المبعوث بالإعلان أن الحوثيين هم الرافضين لمقترحاته بفتح الطرق دون استخدام لوسائل ضغط حقيقية قد يؤدي إلى نسف الهدنة برمتها، وإهدار كل المكاسب التي تحققت منها للطرف الآخر وقد يخرج أبناء تعز لمطالبة الجيش بفتح الطرقات باللغة التي يفهمها الحوثيون". 
 

دعوات دولية

مع استمرار رفض الحوثيين فتح طرق تعز، تزايدت الدعوات الدولية المطالبة بضرورة إعادة فتح الطرق كونها تمثل عنصرا إنسانيا جوهريا للهدنة.  
 

والاثنين الماضي، دعت المجموعة الخماسية بشأن اليمن، الحوثيين إلى إبداء مرونة في المفاوضات بشأن الطرق المغلقة حول تعز وفتح الطرق الرئيسية فورا، وضرورة تحسين حرية تحرك المدنيين في أنحاء البلاد، وأهمية التواصل البنّاء مع الأمم المتحدة للوصول إلى حل مستدام لمشكلة فتح الطرق.  
 

ويبدو تنفيذ هذا البند المتعلق بفتح الطرق بعيد المنال، في حين تسعى الأمم المتحدة لتبني جولات جديدة من المفاوضات للتوصل إلى حل مستدام وآمن بهذا الخصوص في حال تم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة والحوثيين على تمديد الهدنة.  
 

ورغم إعلان المبعوث الأممي رفض الحوثيين مقترحه حول فتح الطرق، إلا أنه أشار في بيانه الأخير إلى أن "الأطراف بحاجة إلى التفاوض والتنسيق والتواصل مع بعضها البعض". لافتًا إلى استمرار مساعيه "لتقريب وجهات النظر بين الأطراف للتوصل إلى اتفاق لفتح طرق رئيسية بشكل مستدام وآمن في تعز ومحافظات أخرى. وستكون هذه أولوية الفترة الحالية للهدنة وأي تمديد لها في المستقبل".  
 

وقابل الحوثيون تلك الدعوات الدولية باستمرار خروقاتهم للهدنة واستهداف المدنيين، أبرز ذلك هو استهدافهم حي زيد الموشكي شمال شرق مدينة تعز جنوبي غرب البلاد، مساء السبت (23 يوليو)، ما أسفر عن مقتل طفل وإصابة 11 آخرين.  

وجاء القصف بالتزامن مع زيارة المستشار العسكري للمبعوث الأممي العميد أنطوني هايوارد إلى تعز للاطلاع على الأوضاع الإنسانية في ظل الحصار الذي تفرضه المليشيا على المدينة. 
 


مطالبات بعدم تمديد الهدنة

وأثارت الحادثة تنديد حكومي وحقوقي وسياسي ودولي، وسط مطالبات بعدم تمديد الهدنة واتهامات شعبية وحزبية للأمم المتحدة بالتماهي مع انتهاكات الحوثيين.  

واستنكر أهالي ضحايا القصف الحوثي على حي زيد الموشكي، في بيان خلال وقفة احتجاجية، استمرار الحديث عن تمديد الهدنة قبل إلزام الحوثيين بوقف هجماتهم اليومية ضد المدينة وفك الحصار عنها. مطالبين المجلس الرئاسي بعدم القبول بتمديد الهدنة إلا بعد إلزام الحوثيين بتنفيذ كافة بنودها، ورفع الحصار عن تعز فورًا ودون قيد أو شرط.  
 

بدورها انتقدت الأحزاب السياسية في تعز موقف المجتمع الدولي والمبعوث الأممي إلى اليمن تجاه "جرائم" الحوثيين بحق المدنيين، وقالت إنهما يتعاملان "بتجاهلٍ غريب ومزيدٍ من التدليل (...) بعيدا عن المساءلة ومنطق العدالة في مسلك غريب يضع القانون الدولي ومنظماته أمام اختبار إنساني وقانوني صعب".  
 

ودعت الأحزاب في بيان لها، كافة أبناء تعز وعموم الوطن إلى "إعلان النفير، وتجديد العزم، وأن يتسلحوا بالوحدة وروح التضحية، وأن يقفوا صفا واحداً وراء الجيش الوطني والمقاومة الباسلة حتى النصر المحتوم".  
 

أما المواقف الأممية والدولية من الحادثة فقد كان محايدًا، إذ أدانت القصف علي تعز دون أن تشير إلى الجهة التي تقف خلفه. وقال المبعوث الأممي إن "قتل الأطفال وإصابتهم بجروح هو أمر مستهجن بشكل خاص"، داعيًا الأطراف "المتحاربة" إلى الالتزام بالقانون الدولي بخصوص حماية المدنيين.  
 

واضاف: "لقد عانى أهالي تعز معاناة شديدة خلال سبع سنوات من الحرب، وهم أيضًا بحاجة إلى الهدنة لتحقيقها لهم من جميع جوانبها". وأشار المبعوث إلى أنه "سيستمر في الانخراط مع الأطراف لتمديد الهدنة وتوسيع نطاقها، وللتأكد من أنّ اليمنيين في جميع أنحاء البلاد يختبرون الحماية، وحريةً أكبر في الحركة، والأمل الذي من المُفترض أن تُؤمنه هذه الهدنة".  

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر