"الدخول من نافذة الأمن غير التقليدي".. فرقة الواجب البحرية "153" في البحر الأحمر .. لماذا الآن؟

[ أفراد البحرية الأمريكية يصعدون على متن سفينة صيد مجهولة الجنسية في المياه الدولية في خليج عمان، وسفينة يو إس إس تشينوك (PC 9) الدورية تبحر بالقرب، 18 يناير 2022. (البحرية الأمريكية) ]

 



أعلنت البحرية الأمريكية، في 13 إبريل/ نيسان الجاري (2022)، أنها ستتولى قيادة تشكيل بحري من السفن، أطلقت عليه اسم "فرقة العمل (الواجب) المشتركة البحرية 153"، وسيكون مسرح عملياتها البحر الأحمر، وأنه، وفقًا للعُرف المتبع، ستُسلِّم البحرية الأمريكية قيادة هذه الفرقة إلى شريك دولي أو إقليمي آخر في الفرقة، بمجرد انتهاء المدة المقررة لها.
 
وعقب هذا الإعلان، تناقلت مصادر إعلامية دولية وإقليمية، هذا الإجراء بوصفه خطوة أمريكية أحادية الجانب، ولا تنفصل عن تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، وأنها في الوقت ذاته تستهدف إيران، بالتضييق على أذرعها العنيفة في المنطقة؛ حيث أشار القائد الأمريكي الحالي للفرقة 153، إلى أنها تستهدف، على نحوٍ مباشر، التهديدات البحرية التي تثيرها جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، جنوبي البحر الأحمر.
 

الخلفيات والأهداف المعلنة للتشكُّل
 
في واقع الأمر، أنَّ هذه الفرقة تُعدُّ الرابعة في قوام "التحالف الدولي البحري"، المكون من 34 دولة؛ بينها دول إقليمية مشاطئة للبحر الأحمر وغرب المحيط الهندي وبحر العرب والخليج العربي. أما مَهمَّاتها المعلنة فتتمحور حول: مواجهة التهديدات البحرية غير التقليدية الناتجة عن مناشط الجماعات الإرهابية، وجماعات "الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية من خلال البحار"؛ مثل: القرصنة على السفن، وتهريب والاتجار- غير المشروع- بالأسلحة والمخدرات والبشر والسلع المسروقة، والصيد غير القانوني بكافة أشكاله،.. ونحو ذلك من المناشط التي تَستغِل بحار هذه المناطق استغلالًا غير مشروعا، أو العبور من خلالها، من نقطة المصدر إلى نقطة المقصد. إلا أن الدور الأبرز لهذه القوات تجلى، خلال العقدين الماضيين، في مكافحة القرصنة الصومالية، وتهريب المخدرات والأسلحة، خصوصًا في خليج عدن وقبالة ساحل مكران الإيراني على بحر العرب.
 
أنشئت هذه القوات خلال فترات متتالية، فكان أولها الفرقة 150، التي أنشئت عام 2002 إثر العمليات الإرهابية التي استهدفت بُرجي التجارة العالميين في منهاتن بنيويورك في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وتنتشر سفن هذه الفرقة في بحر العرب، لتضطلع بمكافحة المناشط الإرهابية والأنماط المختلفة للجريمة المنظمة العابرة للحدود من خلال البحار.
 
تلتها الفرقة 152، التي انشئت عام 2004 لتعمل في مياه الخليج العربي، وتضطلع بمكافحة الإرهاب. أما الثالثة فهي الفرقة 151، التي أنشئت عام 2009 استجابة للتصاعد الشديد لنشاط القرصنة على السفن في خليج عدن، وقبالة السواحل الصومالية المشاطئة للمحيط الهندي.
 
وأخيرا؛ تأتي الفرقة 153، التي أعلن عنها الأربعاء الماضي (13 أبريل/ نيسان)، وهي محل حديثنا في هذا التقرير، والتي جاءت في سياقات أمنية مختلفة تجمع بين التهديدات التقليدية وغير التقليدية في البحر الأحمر.
 



أبعاد تتجاوز المهَمَّة المعلَنة
 
يبدو أنَّ تموضع الفرقة الجديدة "153" في البحر الأحمر، يمثِّل استكمالًا للنفوذ والسيطرة الأمنية على المُسطَّح المائي الممتد من شمالي الخليج العربي حتى قناة السويس، سواء كان ذلك في إطار الهدف المعلن، أم بشأن أهدافٍ أبعد من ذلك على مستوى دول بعينها داخل هذا التشكيل، أم على مستوى  كافة الدول المنضوية في إطاره.
 
الواقع أنَّ وجود هذه الفرقة في البحر الأحمر، مهما كان الهدف المعلن منها، يثير هواجس شديدة تتعلق بالتهديدات المستقبلية ذات النوع التقليدي (تهديدات وراؤها الدول)، لما لها من انعكاسات خطيرة على أمن حوض البحر الأحمر، الذي لا تزال النظرة إليه بوصفه بحيرة عربية. حيث، كان، ولا يزال، الوجود الدائم لقوات أجنبية فيه، يثير حساسية أمنية للدول العربية المشاطئة له، خصوصًا "مصر" التي يتأثر نشاط قناتها المائية (قناة السويس) بأمن هذا البحر. إذ قد يدفع الوجود العسكري الأجنبي بعض الجماعات الإرهابية إلى استهداف سفنه الحربية، وما يترتب على ذلك من تداعيات على التدفق الحر والآمن للتجارة الدولية عبر قناة السويس، فضلًا عن القضايا المتعلقة بالصراع الاقليمي والدولي على البحر الأحمر.
 
لا يُستبعَد أن هذه الخطوة، تخفي وراءها دورًا أمريكيًّا استباقيًّا، لقطع الطريق أمام الأعداء المحتملين للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وعلى رأس هؤلاء الأعداء "إيران"، التي تتفاوض معها واشنطن بشأن العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس دونالد ترامب في مايو/ أيار 2018. فقد نجحت إيران في تحييد الجماعات العنيفة، المرتبطة بها في الشرق الأوسط، من هذه المفاوضات، رغم محاولة الولايات المتحدة فرض ذلك، ومن هذه الجماعات جماعة الحوثي التي تسيطر على قطاع حساس من سواحل اليمن المشاطئة للبحر الأحمر. ولعلَّ مما يشير إلى ذلك مسارعة جماعة الحوثي إلى انتقاد الدور الأمريكي الجديد في البحر الأحمر، على إثر قرار ارسالها لهذه الفرقة، واعتبرته مخالفا لموقف واشنطن المعلن تجاه عملية السلام في اليمن..!
 
يضاف إلى الدوافع، حِرصُ إيران المتزايد على النفوذ الدائم، المباشر وغير المباشر، في البحر الأحمر، والذي يشير إليه طلبها الذي قدمته إلى المنظمة البحرية الدولية في مارس/ آذار العام الماضي (2021)، لإدراج البحر الأحمر ضمن المناطق عالية الخطر، وذلك عقب تعرُّض سفنها للتخريب، وكان آخرها السفينة "سافيز" التي تعرضت لهجوم مدمِّر في إبريل/ نيسان من العام نفسه (2021)، أثناء تواجدها في البحر الأحمر، قبالة ساحل محافظة الحديدة اليمني، وقيام إيران بسحبها واستبدالها بسفينة تحمل اسم "بهشاد". الأمر الذي يوضح أن إيران تهدف، من وراء ذلك، تمكين سفنها الحربية من الانتشار الدائم في البحر الأحمر، وتنسيق التعاون مع حلفائها من الجماعات المسلحة، في إطار استراتيجيتها البحرية التي تحقق لها ميزة "منع الوصول البحري"، عندما تكون أمام تهديد وشيك يداهمها.
 
في كل الأحوال، تظل الغاية المعلنة من وجود هذه الفرقة، سيَّما ما يتعلق بمكافحة تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، أو مواجهة نفوذ إيران في البحر الأحمر؛ رسالة مطمئنة لحلفاء الولايات المتحدة، خصوصا السعودية. أما أن يسهم وجود هذه القوات، إسهامًا فعالًا، في قمع الوجود العسكري الإيراني وارتباطها بالفواعل العنفية، فهي مسألة نسبية، ذلك أن عمليات تهريب الأسلحة تمر عبر شبكات من الوسطاء الإقليميين من جماعات الجريمة المنظمة، وخلايا جماعة الحوثي التي جرى تدريبها في إيران، وأصبحت أكثر دراية وخبرة بطرق التهريب البحرية في المنطقة منذ عام 2015. وهكذا أيضا بشأن إطلاق الزوارق الانفجارية، غير المأهولة، التي تستهدف ناقلات النفط والموانئ السعودية، أو عمليات خطف السفن، كما حدث مع السفينة الإماراتية "روابي" التي اختطفها الحوثيون، ولا تزال في قبضتهم، منذ مطلع يناير/ كانون الثاني 2022.
 



فجوة الدور الأمني العربي الغائب
 
ما من شك في أنَّ غياب الدور الأمني العربي في مجال أمن البحر الأحمر وخليج عدن، دفع الدول الكبرى التي تتعرض مصالحها للتهديد، إلى جَسْر هذه الفجوة بأي شكل من الأشكال، ومنها الخطوة الأمريكية الأخيرة.
 
ولا مجال للاحتجاج ببعض التحالفات الأمنية، غير التقليدية، لهذه الدول؛ لأنها لا تعدُو أن تكون ظواهر صوتية، ولعل آخرها تشكُّلًا مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر، الذي أعلن عنه في الرياض في يناير/ كانون الثاني2021، والمكوَّن من ثماني دول، عدا الكيان الإسرائيلي. ذلك أنه بعد مرور سنتين لم تستطع تشكيل فرقة بحرية مصغرة تقوم بدوريات مشتركة لمواجهة التهديدات التي تثيرها جماعات العنف، بما يعزز أمن الملاحة وحماية التجارة العالمية، المنصوص عليه في اتفاق التأسيس.
لقد أدَّت الاضطرابات الداخلية، وعدم الاستقرار في معظم دول البحر الأحمر، إلى جعل هذا البحر مرتعًا للمناشط غير المشروعة، وضعف قدرات هذه الدول على مواجهتها، رغم ما تبذله من جهود، وفقًا للإمكانيات المتاحة لديها، خصوصًا في بحارها الإقليمية، ومن ذلك اليمن والسودان والصومال، التي تمر بحالة فوضى داخلية قد يطول أمدها.
 
ختامًا، يمكن القول إن مشاركة دول البحر الأحمر، في الفرقة 153، من شأنه تبديد الكثير من مخاوفها الأمنية؛ لأنها ستكون قريبة النظر مما يجري، وهي، كذلك، فرصة ثمينة لاكتساب الخبرة من بحرية عالمية التأثير والقوة والممارسة، كالبحرية الأمريكية. وستكون هذه الدول قادرة، مع مرور الوقت، على حماية أمن البحر الأحمر، وما يجعل من الوجود العسكري الأجنبي أمرًا غير مبرر.
 

 حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت" ©2022
  
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر