"معركة مدينة حرض".. ما أهميتها الإستراتيجية ولماذا تباطئت قوات الجيش بالسيطرة عليها؟ (تقرير خاص)

[ قوات من الجيش الوطني اليمن بالقرب من مدينة حرض بمحافظة حجة (شمال غرب اليمن) ]

منذ نحو شهر تحتدم المعارك في مدينة حرض بمحافظة حجة (شمال غرب اليمن) بعدما بدأت قوات الجيش الوطني عملية عسكرية على مليشيات الحوثي وطوّقت المدينة بالكامل وأحكمت السيطرة على مواقع استراتيجية وتوغلت في الأحياء الشرقية والغربية في المدينة.
 
وتستميت مليشيات الحوثي في التمسك بمدينة حرض الاستراتيجية والحدودية مع المملكة العربية السعودية، وزرعت مئات الألغام ودفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة لمنع تقدم قوات الجيش، فضلًا عن إطلاق عشرات الصواريخ والطائرات المُسيّرة.
 
وخلال السنوات الماضية من الحرب الجارية نجحت قوات الجيش الوطني في السيطرة على مديرية ميدي، على ساحل البحر الأحمر مطلع 2016، لكنها فشلت في التقدم نحو الشرق باتجاه حرض، ومنذ ذلك الوقت ظلت المعارك تراوح مكانها واقتصرت على المواجهات المتقطعة دون أن يتم إحراز تقدم لأي من الطرفين.
 

نتائج العملية

في الرابع من فبراير الماضي، أعلنت المنطقة العسكرية الخامسة التابعة للجيش الحكومي عن عملية عسكرية (تعرضية) وأن قواتها تمكنت من تطويق مدينة حرض، بمساندة التحالف العربي الداعم للحكومة الشرعية. و"عملية تعرضية" هي مصطلح عسكري يقصد به أكثر الأعمال نشاطًا وإيجابية بغرض تدمير تجمعات العدو المدافعة، والاستيلاء على أرضٍ أو تحريرها.
 
منذ انطلاق العملية تمكنت قوات الجيش من استعادة مناطق واسعة من قبضة الحوثيين، وقال قائد مدرسة القتال في المنطقة العسكرية الخامسة العميد عدنان الصديق، إن الجيش سيطر على "قرى عديدة في جنوب وغرب مدينة حرض وصولًا إلى أحياء المدينة جنوب وغرب مركز المدينة وكذلك بعض القرى شمال شرق المدينة ومن جهة شمال غرب المدينة حتى مثلث الملاحيظ".
 
أما من ناحية الشرق، فتمكنت القوات من تحرير جبل الحصنين وجنوب جبال الهيجة، وفق الصديقـ ويطل معسكر المحصام على مدينة حرض من الجهة الشرقية الجنوبية، وكان يعد مقر قيادة حرس الحدود وقيادة كتائب 35 سابقا، وقيادة اللواء الثاني حرس حدود حاليًا.
 


وفي اليوم السابع من انطلاق العملية، دفعت المنطقة العسكرية الخامسة بتعزيزات عسكرية كبيرة من لوائي العروبة والعاصفة من محور الملاحيظ التابع لمحافظة صعدة.
 
والمنطقة الخامسة، إحدى المناطق التابعة لقوات الجيش الوطني وتنتشر في محافظتي الحديدة وحجة (غرب وشمال البلاد) ومركز قيادتها مدينة الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ 7 سنوات، لكنها تدير عملياتها الحربية من الأجزاء الخاضعة لسيطرة الحكومة وبالتحديد مدينة ميدي الساحلية.

وفي 11 فبراير الماضي، أعلن متحدث الجيش الوطني العميد عبده مجلي تحرير 80 بالمئة من مديرية حرض وتأمين الخط الدولي بين حجة والحديدة بمسافة 70 كم.


استماتة حوثية

وسعت مليشيات الحوثي لفك الحصار عن مقاتليها في مدينة حرض، من خلال شن هجمات عنيفة مكثفة وأطلقت 30 طائرة مسيرة ونحو ثمانية صورايخ باليستية وزورق مفخخ منذ بدء العملية العسكرية، لكن قوات الجيش تصدت لها، وفق مصدر عسكري أفاد "يمن شباب نت".
 
وفي الثاني عشر من الشهر ذاته، تمكنت مليشيات الحوثي من كسر الحصار جزئيًا من جهة الشرق بعد أن "شنوا هجمات انتحارية ضد قوات الجيش أوقعت 400 قتيل في صفوفهم" وفق وكيل أول محافظة الحديدة (المعين من قبل الحكومة الشرعية) وليد القديمي.
 
وقال القديمي، في تغريدة عبر تويتر: "ما زال أبطال الجيش يقاتلون حتى اللحظة (..) ومعركة حرض جزء من معركتنا الوطنية ضد الحوثيين".
 
ولمحافظة حجة البالغة مساحتها (10,141 كم²) حدود جغرافية مع عمران وصعدة والمحويت والحديدة والبحر الأحمر.
 

ماذا حققت العملية؟
 
بعد مضي أسبوعين على انطلاق العملية العسكرية، وقال العميد عدنان الصديق "إن العملية حققت أهداف كثيرة من مجموعة الأهداف التي تنضوي تحت الهدف الرئيسي مثل: جر المليشيات إلى منطقة لم تكن تتوقع القتال فيها (...) وتخفيف الضغط على جبهات أخرى ومنها مأرب".
 
وأضاف في تصريح لـ"يمن شباب نت"، أن "الضربة المفاجئة التي انتجت ارتباك كبير في عملياتها القتالية مما جعلها ترمي بكامل ثقلها دون حساب لخسائرها البشرية والمالية".
 
وأشار إلى "توسيع منطقة السيطرة للمنطقة العسكرية الخامسة شرق مثلث عاهم وشرق مدينة حرض وصولا إلى السلسلة الجبلية غربا"، مؤكدًا أن "العميلة مستمرة".
 
وتسعى قوات الجيش للسيطرة على مدينة حرض، نظرًا لأهميتها الجيوسياسية والاقتصادية، حيث تمثل نقطة وصل بين اليمن والسعودية عبر منفذ الطوال البري أكبر منافذ اليمن، وتقدر إيراداته السنوية بأكثر من 26 مليار ريال يمني.
 


أهمية معركة حرض

الباحث اليمني المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، علي الذهب، يرى أن معارك حرض وأهميتها، بالنسبة للحوثيين بأن "حرض تمثل قاعدة متقدمة لقوتهم على الحدود مع المملكة السعودية بمعنى أنهم أحد مصادر التهديد المكانية للتأثير داخل الحدود السعودية، بحيث يطلقوا منها العمليات البرية في مناطق الحدود، أو إنه يأتي من خلالها للانطلاق لمناطق داخل هذه الحدود أو بالقرب منها".
 
كما يتخذ الحوثيين من مدينة حرض "مصدرًا لإطلاق الصواريخ والطيارات الغير مأهولة، لذا هي منطقة تهديد متاخمة خصوصًا وأن (حرض) لم يعد فيها أي نشاط سكاني، بعد أن غادروها إلى (مديرية) عبس لأنها منطقة آمنة"، وفقًا للذهب.
 
وأضاف: "أن حرض تُشكِل جوار أيسر آمن لقوات الحوثيين في صعدة، وفقدان هذه المنطقة يعني فقدان المزيد من الأرض جنوبًا، لأن منطقة حيران لنقول إن أجزاء كبير منها مع القوات الحكومية".
 
وبحسب الذهب فإن "السيطرة على حرض تكسر الفجوة الجغرافية في الأرض فتتسع رقعة الحكومة المعترف بها دوليًا من اتجاه البحر، من خلال ميدي وحيران وحرض وبعدها قد تطمع القوات بالتقدم نحو عبس".
 
وبالنسبة لأهمية مناطق حجة وصعدة بالنسبة للحوثيين، يقول الباحث الذهب إن "هذه المناطق معظم أبنائها هم عَصَب الحركة الحوثية السياسي والعسكري والإعلامي"، ولفت إلى أن خروج صعدة وحجة عن سيطرة الحوثيين أمر لن يتقبلوه إلا بالقوة، إذا فُرض عليهم فرض.
 
وأوضح "إذا كان هناك إرادة قوية لدى الحكومة ولدى الجيش فهي ستُشكل مكسب كبير سيُضعف نشاط الحوثيين لأن فيها إضعاف لأبناء هذه المناطق، مصالحهم تتهدد، وهذا شيء مهم لو استطاعت الحكومة أن تفعله".
 
وأضاف "لا أعتقد أنها ماضية (في ذلك) لأن قرارها في كل الأحوال ليس بيدها فضلا عن نقاط الضعف الأخرى كالفساد والمصالح".
 
ويرى أن معركة حرض مهمة بالنسبة للسعودية لأنها تأثرت كثيرا من المناطق الحدودية التي يستخدمها الحوثيين منطلقًا لهجماتهم ضد المملكة، وقال "لا يمر شهر إلا وهي تُضرب منطقة أبها (جنوب السعودية) بالصواريخ الباليستية والمجنحة كروز والمقذوفات والطائرات المُسيرة".
 
وبرزت محافظات صامتة وأحد المسارحة وجيزان السعودية دائمًا كمناطق استهداف للحوثيين منذ عام 2019 "لأن مناطق التهديد الملاصقة لها تُمكّن من استخدام أنواع الأسلحة الممكنة كصواريخ تكتيكية قصيرة المدى، طائرات وصواريخ باليستية تستهدف مُنشآت حيوية، لذا يبدو أن السعودية استشعرت الخطر وحرّكت اللواء 11 مدرع، أحد أقوى الألوية السعودية المشاركة في هذه العملية وهذا هو سبب اندلاعها تحديدا في هذا الظرف"، حد قوله.
 
وأضاف أن "السعودية وجدت أنها خطر يداهمها على مناطق بلادها خاصة محافظة حجة فحركت هذه الجبهة بعد جمود طويل".
 

تأخر سير المعارك

وردًا على سؤالنا ما الذي يؤخر إنجاز الجيش لمعركة حرض؟، يقول الذهب إن "المعركة كبيرة وهي تضاهي معركة مأرب على الأقل من وجهة نظر الحوثيين، فقيام المعارك في هذه المناطق يتطلب من الحكومة إنها تبذل جهد أكبر واعتبار المعركة معركة مصيرية لأن الحوثيين يعدونها معركة مماثلة لمعركة مأرب".
 
ولفت إلى أن "وطأة المعارك في مأرب خفت واشتدت في حرض ولحد ما في صعدة وهذا يدل على أن الحوثيين نقلوا ثقلهم من مأرب وشبوة إلى حرض وكتاف. بمعنى أن المعركة موازية بالأهمية في الدفع".
 


وأضاف أنه "في حين أن القوات الحكومية أو الجيش مدعومًا بالتحالف لم يأخذ المعركة على محمل الجد. هو كان متوقعًا أن يحرز النصر في أقرب وقت ولكن الأمر يبدو صعب لأنه حرض مدينة خالية وفيها مئات المقاتلين الحوثيين وهم الآن يهاجموا عدو متحصن داخل مدينة لا يبالي بنتائجها لأنها أصبحت مدينة مهدمة فالدخول إليها يتطلب الكثير من التضحيات المادية والبشرية".
 
ومن وجهة نظر الباحث الذهب فإن "القوات المهاجمة (أي قوات الجيش) يبدو أنها ليس لديها استعداد لا مادي ولا بشري ولا أيضًا استعداد للتضحية بالموجود لأنه من الصعب أن تخوض معركة على الأقل يكون المهاجم ثلاثة أضعاف المدافع هذا وفقًا للقواعد العسكرية".
 
ويشير إلى أن المحيط الدفاعي الجغرافي لحرض ذو سلسلة جبلية وعرة، تتطلب تموضع مسبق، لافتًا إلى أن من يسيطر عليها مسبقًا ويتحصن فيها هو الذي سيحقق نتائج كبيرة. وأردف "إذا أراد الطرف الآخر إحداث خلل فعليه أن يكثف من نشاطه ويضاعف من قدراته".
 

صعوبات وموجبات النصر

وحول الصعوبات التي تعيق تحرير حرض حتى الآن، يقول الصديق إنها تتمثل بـ"الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها مليشيات الحوثي بشكل مهول في كل شبر بالإضافة إلى تدفقات الأنساق الهجومية التي يتم إبادتها بالكامل، إلى جانب نقص في المعدات الثقيلة".
 
ويضيف "المدينة نفسها كبيرة وواسعة وأزقتها ضيقة فيما يتمترس قناصو الحوثي في المباني العالية".
 
أما بالنسبة لموجبات النصر للقوات الحكومية، فيرى الباحث الذهب أنه "أولا عليها إعادة قراءة المشهد مرة أخرى في هذا الصراع، وتقييم المعركة بشكل كبير، من خلال تقييم نتائجها".

وقال "من خلال هذا التقييم أعتقد أنه سيجري إعادة النظر في إدارة المعركة من حيث التخطيط ومن حيث الوسائل المتاحة".
 
وتابع "كلما طالت المعركة كلما استنفذت هذه القوات قدراتها على الصمود وهنالك عجز في الدفع بمزيد من القوى والوسائل لتعويض الخسائر، في حين الحوثيين يملكون القدرة على التعويض ويدركون أن المعركة معركة مصير، لكن أتمنى أن تقود هذه المعركة إلى نصر حاسم، يكون له ما بعده".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر