تقرير دولي: "موت بطيء" لوسائل الإعلام اليمنية.. صحفيو البلاد يغطون أحداث التهجير والنفي

[ صحفيون في جنازة الصحفي "أديب الجناني" بتعز الذي قُتل في هجوم على مطار عدن، في 2 يناير 2021(رويترز) ]

سلط تقرير دولي للجنة حماية الصحفيين «CPJ» الدولية، الضوء على وضع وسائل الاعلام في اليمن، والصحفيين في البلاد في ظل استمرار الحرب في البلاد للعام السادس على التوالي، حيث كانت الصحافة والصحفيين ضمن ضحايا العنف والقتل والقمع والاختطاف، "يمن شباب نت" ترجم نص التقرير ويعيد نشرة كالتالي...
 

مثل شهر مارس 2018 نقطة انخفاض بالنسبة لأخبار اليوم، وهي صحيفة يومية مستقلة في اليمن، فبعد ثلاثة أسابيع من اشتعال النيران في مكتب الصحيفة في عدن من قبل مجهولين، تم اختطاف سبعة من موظفيها لمدة شهر من قبل القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، الذي يسيطر على المدينة الساحلية الجنوبية، وأجبرت الهجمات الصحيفة على الانتقال من عدن إلى مأرب التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، في الغرب، حيث استمرت في النشر.
 

بعد ثلاث سنوات، كانت مشاكل "أخبار اليوم" الرئيسية مالية، كما قال سيف الحاضري، رئيس مؤسسة الشموع، المنظمة الأم للصحيفة، للجنة حماية الصحفيين عبر البريد الإلكتروني، كما منع توزيعها في المناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي وأنصار الله، المعروفين أيضًا باسم الحوثيين، والتي قال الحاضري إنها استولت على مكتب أخبار اليوم في صنعاء في الغرب عام 2014، ولم تتمكن الصحيفة من بيع اشتراكات كافية لـ البقاء واقفة على قدميها، حيث قال إن العديد من صحفييها تركوا القطاع تمامًا.
 

وبدلاً من الإغلاق بالنار أو الاستيلاء، قد تغلق أخبار اليوم بسبب نقص الأموال.
 

هكذا هي قصة الصحافة في اليمن - المحصورة من منطقة إلى أخرى من قبل القوات المتحاربة، حيث يقول الصحفيون الذين وجدوا قدرًا ضئيلًا من الاستقرار إنهم يستنفدون كافة الخيارات وهم يكافحون من أجل البقاء في بلد يعاني من أزمة مالية وإنسانية.  بالنسبة للعديد من الصحفيين، فإن الخيار الوحيد القابل للتطبيق هو المنفى، وهو خيار يأتي مع مجموعة التحديات الخاصة به.
 

يقول الحاضري: "يمكنك وصف العمل كصحفي في اليمن بأنه مغامرة". ويضيف "الثمن الذي يدفعه المرء يمكن أن يكون حياته".
 




وثق الصحفيون اليمنيون القوس الدراماتيكي لبلادهم على مدى العقد الماضي منذ الربيع العربي، الذي شهد الإطاحة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح في عام 2012، تلاه استيلاء الحوثيين على مساحات شاسعة من البلاد بعد ذلك بعامين، وتدخل عسكري سعودي نيابة عن الحكومة اليمنية في عام 2015، وصعود المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، والذي سيطرت قواته على عدن في عام 2020، ومع وجود أجزاء مختلفة من البلاد تسيطر عليها الجماعات المتحاربة - وكلها تتنافس على توسيع نفوذها،  يقول الصحفيون إنهم مستهدفون من جميع الأطراف.
 
 
قام الحوثيون بالاعتداء على الصحفيين واحتجازهم وتهديدهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم وقتل العديد منهم بقذائف الهاون والصواريخ، وحكمت الجماعة على أربعة صحفيين بالإعدام واحتجزتهم قرابة ست سنوات في ظروف يرثى لها.
 

 كما قامت الحكومة اليمنية بمضايقة واحتجاز الصحفيين.  كذلك احتجز المجلس الانتقالي الجنوبي صحفيين لشهور في كل مرة، وفي حضرموت بشرق اليمن، تقوم السلطات المحلية بقمع الصحافة من خلال الاعتقالات والمطالبات الصريحة بالرقابة.
 

أرسلت لجنة حماية الصحفيين رسالة بريد إلكتروني إلى محمد عبد السلام، المتحدث باسم أنصار الله، لكنها لم تتلق أي رد، وقال عبد الباسط القاعدي، المتحدث باسم الحكومة اليمنية، للجنة حماية الصحفيين إن انتهاكات حرية الصحافة حدثت في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، لكنه لم يعترف بارتكاب الحكومة لها.
 

كما قال المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح للجنة حماية الصحفيين عبر إن الصحفيين ووسائل الإعلام تعمل بحرية في عدن، واصفا التقارير التي تفيد بأن المجلس اعتقل أو هدد الصحفيين كجزء من "حملة سياسية واسعة" ضد المجلس الانتقالي.
 

بدوره، قال سعيد ثابت سعيد، مدير مكتب اليمن لقناة الجزيرة ومقرها قطر، "لا تزال الأطراف المتصارعة تنظر إلى وسائل الإعلام على أنها خصوم أو أعداء، وبالتالي لا يوجد نموذج مثالي لمنطقة آمنة".

 


وأغلقت السلطات اليمنية مكتب القناة في تعز جنوبي البلاد في يناير 2018 بدعوى أن تغطيتها تهدف إلى تقسيم الحكومة والتحالف الذي تقوده السعودية الذي يدعمها، كما وثقت لجنة حماية الصحفيين في ذلك الوقت، ومنعت بعد ذلك القناة من العمل في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها.
 

لكن السياسة تدخلت مؤخرًا لصالح القناة: فقد أخبر سعيد لجنة حماية الصحفيين أن وزارة الإعلام اليمنية جددت تصريحها بعد أن أعادت الحكومة اليمنية العلاقات مع قطر في آذار / مارس 2021، والآن تعمل قناة الجزيرة في تعز ومأرب الخاضعة لسيطرة الحكومة، ومع   ذلك قال سعيد ان "الظروف صعبة وغير آمنة". 
 

واجهت قناة فضائية أخرى، وهي محطة بلقيس الفضائية المستقلة، الكثير من المتاعب مع الحوثيين لدرجة أنها نقلت عملياتها الرئيسية إلى إسطنبول في عام 2015، بعد شهر من اقتحام قوات الحوثيين مكاتبها في صنعاء، بحسب تقارير إخبارية، في العام نفسه، اختُطف الصحفي ببلقيس عبد الله قابل على يد رجال ميليشيات يُعتقد أنهم مرتبطون بالحوثيين وحلفاء الجماعة، ليموت بعد أيام في غارة جوية شنها التحالف الذي تقوده السعودية، كما وثقت لجنة حماية الصحفيين.
 

وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى لجنة حماية الصحفيين، قال المدير العام لبلقيس أحمد الزرقة إن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لا تزال الأكثر خطورة على الصحفيين اليمنيين، مشيرًا إلى استمرار احتجاز الجماعة للصحفيين وإسكات جميع وسائل الإعلام المستقلة أو المعارضة، وقال الزرقة "تعتبر ممارسة الصحافة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون جريمة يعاقب عليها القانون"، واصفًا أحداث السنوات الأخيرة بـ "الموت البطيء" لهذه الصناعة.


 


كما تسبب المجلس الانتقالي الجنوبي في مشاكل لقناة بلقيس، وفي نهاية المطاف، أغلقت القناة نفسها في عدن بعد تهديدات ومضايقات من الانتقالي، كما قال الزرقة، كما قُتل ثلاثة صحفيين آخرين من بلقيس: اثنان بنيران متبادلة زُعم وقوف الحوثيين خلفها، وواحد في هجوم لم يُعلن عنه على أحد المطارات.
 

وقال الزرقة "تلفزيون بلقيس يدفع ثمناً باهظاً بسبب افتقارنا للانتماء السياسي ومحاولتنا العمل بطريقة احترافية، ونتيجة لذلك، فإن القناة ومراسليها مستهدفون من قبل جميع أطراف الصراع".

 


إلى جانب الهجمات التي تصدرت عناوين الصحف، قال صحفيون يمنيون للجنة حماية الصحفيين إن تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني يجعل الخدمات اللوجستية اليومية لإعداد التقارير وتوثيقها أمرًا صعبًا، كما أن الاقتصاديات البسيطة لكسب العيش كصحفي أو البقاء على قيد الحياة كمنفذ اعلامي تعد مسألة قريبة من المستحيل، وقال الزرقة إن بلقيس لا تزال لديها صحافيون على الأرض، يتعين عليهم التغلب على إغلاق الطرق، وتبدل الخطوط الأمامية، وأكثر من ذلك لتغطية الأخبار.
 

وقال: "لا تزال هناك تحديات تتعلق بصعوبات القيام بالعمل الميداني في اليمن، مثل نقل أطقم العمل في الميدان، وإرسال المواد والتقارير، وأحيانًا مع انقطاع الشبكة في اليمن".

 

يكافح الصحفيون اليمنيون المنفيون لتغطية البلد الذي غادروه
 
نظرًا للتحديات التي لا تعد ولا تحصى، اتخذ بعض الصحفيين ونشطاء حرية الصحافة خيارًا صعبًا بمغادرة اليمن لمحاولة تغطية البلاد من المنفى، ومن بين هؤلاء نبيل الاسيدي، الذي يساعد في إدارة نقابة الصحفيين اليمنيين من موطنه المعتمد في سويسرا.
 

حيث عاش سابقا في صنعاء، وقال إن تجمعاته اليومية للصحفيين والمثقفين والسياسيين جذبت انتباه الحوثيين بعد أن اجتاحوا المدينة، كما قال إنه أوقف الاجتماعات تحت ضغط الحوثيين، لكن التهديدات استمرت - والاعتقاد بارتباطه بالنقابة المرتبطة بالحكومة اليمنية، وعمله السابق مع وزارة الإعلام السعودية، ومنصبه السابق كمدير لمكتب اليمن في صحيفة عكاظ السعودية جعل منه هدفا.
 

في 23 أبريل / نيسان 2015، جاءت قوات الحوثي إلى منزله عازمة، حسب اعتقاده، على قتله، لكنه لم يكن هناك، فقد هرب بعد أن حذره صديقه من أن مسلحين قد اختطفوا زميلًا لهم وكانوا في طريقهم إلى منزله بعد ذلك، وقال للجنة حماية الصحفيين "لقد تمكنت من الفرار من قبضتهم قبل نصف ساعة فقط من وصول المسلحين إلى منزلي".
 

وقال الاسيدي إنه أمضى الأشهر القليلة التالية في الانتقال من مدينة إلى مدينة في اليمن قبل أن يفر إلى السعودية في أكتوبر 2015، في ديسمبر 2015، ذهب إلى جنيف مع أعضاء إعلاميين آخرين برفقة وفد الحكومة اليمنية إلى مفاوضات السلام، حيث مكث هناك في نهاية المطاف وطلب اللجوء السياسي.
 



وقال، إنه ما زال ينتظر قرار الحكومة السويسرية بمنحه حق اللجوء، وتحمل عبء كونه بعيدًا عن أسرته التي لم يرها منذ ست سنوات، ووفق قوله "اللجوء صعب على الصحفي الذي يعيش وطنه في قلبه"، مضيفا "الدول الأوروبية تتعامل معك فقط كطالب لجوء، وليس كصحفي يستحق الموارد".
 

وأضاف بالقول بأنه "بالنسبة لأولئك القادرين على الوصول إلى أوروبا، فإنهم يواجهون العديد من الصعوبات، من حيث اللغة، والتكيف مع المجتمع الجديد، والعثور على عمل لائق، والاندماج، فضلاً عن صعوبة العثور على عمل صحفي وحقوقي في [أوروبا] لأنهم يتعاملون معنا كلاجئين".
 

وقال: "إن التواجد في الخارج يجعل من الصعب الاستمرار في تغطية اليمن، حيث انقطع عن اتصالاته على الأرض، لكنه يواصل الدفاع عن الصحفيين في وطنه"، حيث يقول بأن "الأمان والحرية تجعلنا ثابتين على مواصلة مسيرتنا، وفي نفس الوقت نواصل المساهمة في تسجيل أصوات الصحفيين اليمنيين، والانتهاكات التي يتعرضون لها، وندافع عن حرية الصحافة والإنسانية بأفضل ما لدينا".
 

وأصبحت اسطنبول أيضًا منصة هبوط للصحفيين اليمنيين في المنفى، يوسف عجلان، الذي تم اعتقاله وأخبر لجنة حماية الصحفيين بأنه تعرض للتعذيب الوحشي على أيدي الحوثيين لأكثر من عام، قال إنه يقيم حاليًا في اسطنبول ويعمل في القناة اليمنية الخاصة "يمن شباب" بعد مغادرته البلاد في عام 2018، حيث يقول "هناك هي ثلاث قنوات خاصة باليمن تعمل من اسطنبول وتوظف العديد من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام".
 

وأكد الزرقة، المدير العام لقناة بلقيس، وصف عجلان للمشهد الإعلامي اليمني في المنفى في تركيا، وقال للجنة حماية الصحفيين إن ما وصفه بـ "ثلاث قنوات فضائية معارضة" تركز فقط على اليمن تعمل هناك، وقال الزرقة عبر البريد الإلكتروني "هناك مساحة كبيرة لهذه القنوات للعمل بحرية لأنها مكرسة للشؤون اليمنية ولا يوجد تدخل من الجانب التركي في محتوى القنوات".
 

بالنسبة لعجلان، الذي قال للجنة حماية الصحفيين إنه يعيش في تركيا بتأشيرة سياحية يمكن تجديدها سنويًا، فإن الحياة كصحفي يمني منفي في البلاد هشة في أحسن الأحوال، وقال: "فيما يتعلق بالصحفيين هنا في تركيا، فإن وضعهم غير مستقر لأنهم لا يملكون أي تصاريح إقامة عمل، وقرارات الحكومة في تركيا يمكن أن تتغير في أي يوم ويمكن إلغاء تصاريح الإقامة السياحية".
 

ولم يذكر الزرقة أي صعوبات في العمل من تركيا، مؤكدا أنها كانت الخيار الأفضل لكثير من الصحفيين اليمنيين، ولدى سؤاله عما إذا كان هناك مستقبل للصحافة في البلد الذي تركه وراءه، قال "إذا توفرت بيئة آمنة في اليمن، فإن جميع الصحفيين ووسائل الإعلام سيعودون".
 

لكن سعيد ثابت، من قناة الجزيرة، قال: "إن البيئة الآمنة تعتمد على أكثر من مسألة وقف الصراع".
 

وقال: "لست متفائلاً بشأن الصحافة [في اليمن] في المستقبل المنظور"، مشيرًا إلى أن الجماعات السياسية تنظر إلى الصحفيين على أنهم لاعبون حزبيون، واضاف "سيكون امامهم مشاكل أمنية في المستقبل، حتى لو تم التوصل إلى سلام هش".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر