استمرار تهريب الأسلحة إلى الحوثيين.. التحديات وآليات المواجهة (تحليل)

[ البحرية الأمريكية تعلن مصادرة شحنة أسلحة قادمة من إيران كانت في طريقها للحوثيين ]



أعلن الأسطول الخامس الأمريكي، الذي تقوم سفن تابعة له بدوريات في بحر العرب، أن البارجة "يو أس أس مونتيري، أحبطت، خلال يومي السادس والسابع من هذا الشهر، (مايو/ أيار 2021)، عملية تهريب شحنة من الأسلحة المتنوعة المهربة، التي كانت على متن مركب شراعي عديم الجنسية، بعد الاشتباه فيه، شمالي بحر العرب، وأنها صادرت الشحنة بعد التحقق من عدم شرعيتها.
 
أبرز الفيديو الذي استعرض محتويات شحنة الأسلحة المُصَادَرة، بعد فرزها، حسب النوع، على سطح البارجة، التي أحبطت العملية، أنها كانت تضم نحو2000 بندقية هجومية صينية الصنع، وبضع مئات من رشاشاتPKM (رشاشات بيكا)، وبندقيات القنص، وعشرات القاذفات الصاروخية، والمناظير البصرية الحديثة التي تُركب في بعض من هذه الأسلحة، وذلك ما يمثل تسليح لواء مشاة بالأسلحة الخفيفة، وإلى حد ما المتوسطة.
 
والواقع أن هذه الواقعة ليست الوحيدة التي أعلن عنها الأسطول الأميركي، أو غيره من القوات الدولية في المنطقة، سواء هذا العام أو طوال الأعوام الستة الماضية التي شهد خلالها اليمن، ولا تزال، حربا داخلية مدمرة، بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وبين جماعة الحوثي المدعومة من إيران؛ فقد أحبطت أكثر من عشر وقائع تهريب، ولعل أقرب مثال على ذلك شحنة الأسلحة التي استوقفتها البحرية الأميركية قبالة سواحل الصومال، في فبراير/ شباط من هذا العام (2021)، وحينها قال مصدر في البحرية الأميركية إنها كانت في طريقها إلى جماعة الحوثي، التي تسيطر على شمالي اليمن.
 
بعد ذلك قالت مصادر أميركية إن الشحنة الأخيرة كان مصدرها إيران، وإنها كانت موجهه إلى جماعة الحوثي، وذلك ما يتوافق مع أدلة كثيرة تواترت، خلال السنوات الأخيرة من الحرب اليمنية، حول ضلوع إيران، رسميا وغير رسمي، في تصدير شحنات أسلحة، أشارت إلى بعضٍ منها تقارير فريق خبراء مجلس الأمن المعني باليمن، الصادرة بين عامي 2016-2021، ومن ذلك التقرير الأخير الصادر في فبراير/ شباط 2021، الذي أكَّد على أن هنالك مجموعة من الأدلة التي تشير إلى أن أفرادا وكيانات في إيران يزودون جماعة الحوثي بالأسلحة ومكوناتها الأخرى، وأن أفرادا يمنيين من الجماعة الحوثية اعترفوا بضلوعهم في عمليات تهريب أسلحة إيرانية إلى الجماعة.
 
وكانت القوات المشتركة المنتشرة في الساحل الغربي من البلاد (ساحل تهامة)، قد عرضت، في سبتمبر/ أيلول 2020، اعترافات متلفزة لخلية تهريب تابعة للحوثيين، أُلقي القبض على أفراد منها قبالة ساحل مديرية ذو باب، بالقرب من مضيق باب المندب، في مايو/ أيار 2020، وجاء في تلك الاعترافات، تلقي أحد أفراد الخلية تدريبات بحرية في ميناء بندر عباس الإيراني، تؤهله للقيام بإدارة عمليات تهريب أسلحة إيرانية لمصلحة الحوثيين.
 
وقد تضمنت الاعترافات عرضا لخطوط تهريب شحنات الأسلحة، انطلاقا من ميناء بندر عباس الإيراني، إلى نقطة توزيع مركزية في بحر العرب، يتفرع منها خط تهريب باتجاه ساحل محافظة المهرة اليمنية المحاذية لسلطنة عمان، فيما يتفرع خط التهريب الثاني باتجاه القرن الإفريقي، ومنه تبدأ المرحلة الثالثة للتهريب البحري، عبر هذا الخط، باتجاه السواحل الغربية اليمنية المشاطئة للبحر الأحمر، ابتداءً من مضيق باب المندب والاتجاه شمالا نحو الحديدة، وذلك ما يوضح جانبا منه الشكل التالي، للفترة بين عامي 2015-2016.
 

أمام استمرار تدفق هذه الأسلحة إلى الحوثيين، يثور جدل بشأن الأسباب التي تقف وراء ذلك، والتحديات التي تعوق جهود الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليا، في مواجهتها، والآليات التي يمكن بواسطتها تجاوز ذلك؟
 
الأسباب وعوائق المواجهة
 
لا تزال الانقسامات الحاصلة في كيان الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، تمثل أبرز الأسباب التي تساعد على استمرار تدفق الأسلحة المهربة إلى الحوثيين، عبر مناطق سيطرة هذه الحكومة، سواء كان ذلك بالتواطؤ مع جماعات التهريب، أم بالتراخي في تنفيذ تدابير المواجهة الإجرائية والقضائية والقانونية.
 
فقد أفرزت الانقسامات الحاصلة في المكونات السياسية للحكومة المعترف بها دوليا، واقعا ميدانيا متعدد السيطرة، لا تخضع فيه كافة الأراضي المحررة من قبضة الحوثيين، لإدارة موحدة تشرف عليها هذه الحكومة، ذلك أن كل جماعة أو تشكيل مسلح يسيطر على مناطق معينة، ويديرها وفقا لما تمليه أجنداته السياسية التي تتعارض مع أجندات مكونات أخرى في الحكومة، او التوجه العام لقيادتها العليا.
 
ومما يزيد هذا الوضع سوءا، أن المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات والتشكيلات، تتحكم في قطاع طويل من الشريط الساحلي الممتد من محافظة المهرة المشاطئة لبحر العرب، حتى جنوبي مدينة (ميناء) الحُديِّدة، وأجزاء ساحلية أخرى من محافظة حجة الواقعة على الحدود الجنوبية الغربية للسعودية، وهي مناطق تهريب رئيسة للأسلحة، فضلا عن سيطرة الحوثيين على مناطق من الساحل، وفيها تقع ثلاثة موانئ، هي: الحديدة، ورأس عيسى، والصليف، وتجري عبرها الكثير من عمليات تهريب الأسلحة.
 
تُمثل الإمكانيات المادية والبشرية المتواضعة لدى قوات خفر السواحل اليمنية، تحديا رئيسا أمام القيام بمهماتها في تحقيق الأمن البحري، بما في ذلك مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود من خلال البحار، مثل تهريب والاتجار في الأسلحة والمخدرات، ويضاعف من هذه التحديات تواضع قدرات القوات البحرية التي تحد من اضطلاعها بأدوارها الأمنية، المتمثلة بالدوريات البحرية في البحر الإقليمي، والمناطق المحتملة لممارسة المناشط غير المشروعة قبالة السواحل اليمنية.
 
من التحديات، كذلك، ما تعانيه الأجهزة العسكرية والأمنية المعنية بالأمن البحري، من ضعف في مجال تنسيق التعاون المعلوماتي والإجرائي بينها، وامتداد هذا التحدي إلى الأجهزة العسكرية والأمنية التي تتحكم في المنافذ والطُّرق البرية، الدولية والداخلية، التي تتسرب عبرها الأسلحة المهربة، ولا نبالغ إذا قلنا إن الأجهزة المخابراتية تعمل في أطر مغلقة على نفسها، نتيجة لانتماءاتها الجهوية المتعارضة، مما أفقدها القدرة على العمل بكفاءة وفاعلية، علاوة على إغفالها الدور الشعبي المساند لها، وليس ذلك سوى انعكاسٍ لعلاقة الحكومة بالكيانات السياسية التي تعمل في سياقات مستقلة كما لو أنها تمثل أجهزة الحكومة.
 
من جانب آخر، لا نغفل القدرة الكبيرة لشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، التي تمثل تحديا دوليا وإقليميا، سواء في عمليات تهريب الأسلحة أو أنماط الجريمة المنظمة الأخرى، مثل: تهريب والاتجار في المخدرات، وتبييض (غسل) الأموال، اللتان عادة ما ترتبطان بالتجارة والتهريب غير المشروعين للأسلحة؛ حيث يجري ذلك عبر شبكات دولية وإقليمية ومحلية، تعجز أمامها الدول التي تعمل، منفردة، في مواجهتها، فيكف بحال الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، التي تواجه انقساما في صفوفها، وتخوض حربا أمام الحوثيين، الذين يُبدون تماسكا داخليا، مع ما يتمتعون به من دعم إيراني ومن حلفاء آخرين من الفواعل العنيفة غير الدولية.
 
تدابير وآليات
 
من غير الممكن، في الوضع الراهن، وضع أي استراتيجية أمنية شاملة ومتكاملة من قبل الحكومة المعترف بها دوليا، لمواجهة تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، في ظل شدة الانقسامات الحاصلة في مكوناتها، إلا أنه من الممكن تطبيق أي استراتيجية أمنية، في المناطق التي تقع تحت سيطرتها الكاملة، كخطوة أولى، إلى أن يتسنى توسيع نطاق هذه الاستراتيجية، مكانيا وموضوعيا، ولن يتحقق ذلك إلا بتنفيذ الملحقين العسكري والأمني لاتفاق الرياض عام 2019، الذي تضمنت أحكامه دمج كافة التشكيلات والميليشيات المسلحة، وفي هياكل وزارتي الدفاع والداخلية.
 
يتطلب لهذه المرحلة بناء قدرات الأجهزة العسكرية والأمنية والمخابراتية، ماديا وبشريا، وتعزيز التدريب، وتفعيل أجهزة الرقابة والمتابعة داخل منظومتي الدفاع والداخلية، بما في ذلك إنفاذ القانون، وهذا، في الواقع، يتطلب، أولا، عودة الهيئات الممثلة لسلطات الدولة الثلاث إلى البلاد، لممارسة وظائفها من الداخل، بدلا من القيام بذلك من منفاها الاختياري بالعاصمة السعودية (الرياض)، والعمل على تحرير نظم الاتصالات العاملة داخل البلاد من قبضة الحوثيين، أو إيجاد نظم وقنوات اتصال مؤقتة ومضمونة إلى حين تحرير والتحكم في النظم السابقة.
 
سيكون من المفيد للجماعات المسلحة العاملة تحت مظلة الحكومة المعترف بها دوليا، لا سيما التي تدير مناطق نفوذها، عسكريا وأمنيا، بمعزل عن هذه الحكومة، أن تعيد النظر في مواقفها إزاء كافة الممارسات المؤدية إلى تسرب الأسلحة المهربة إلى الحوثيين؛ لأن هذه الأسلحة، وإن كانت اليوم غير موجهة نحوها، بشكل رئيس، فإنها ستكون، كذلك، مستقبلا، وهذا على الأقل، يلزمها بتحقيق المحل المقبول من التعاون الأمني، المعلومات والإجرائي، إزاء تهريب الأسلحة وما يدخل في صناعة ملحقاتها.
 
بالنظر إلى الدور الشعبي إزاء عمليات تهريب الأسلحة، فإن ذلك يتطلب إعادة بناء شبكة استخبارية ديناميكية يتطلب تفاعلها مع كافة عمليات التهريب ومصادرها المحتملة، وينبغي، في سياق ذلك، إشراك سكان السواحل والصيادين والمشتغلين في البحر والشواطئ، ومنحهم الحوافز المغرية التي تخلق تعاونا بنَّاءً مع القنوات الأمنية والعسكرية المرتبطة بها.
 
في السياق، وضمن الاستراتيجية السابقة، يقع على عاتق وزارة الإعلام، بكافة وسائلها، مسئولية القيام بدور توعوي مكثف ومتواصل، لرفع مستوى الحس الأمني، وسبل التعاون في ذلك مع الأجهزة العسكرية والأمنية، في المناطق الساحلية والداخلية، إزاء عمليات تهريب الأسلحة، وغيرها من أنماط الجريمة المنظمة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر