كيف يتم استنزاف "الشباب اليمني" في معارك الحوثيين وما الدور الوطني للمواجهة؟ (تقرير تحليلي خاص)

[ إحدى مقابر قتلى الحوثيين ]



خلال الثلاثة الأشهر الأولى من هذا العام 2020، ونتيجة لتحولات داخلية وإقليمية، نقل الحوثيون ثقلهم العسكري، المادي والبشري، من الأطراف إلى المركز؛ حيث وجَّهوا جهدهم الرئيس نحو محافظة مارب، في محاولة مستميتة للسيطرة عليها.

 وكانت أولى ثمار هذا التحول سيطرتهم على مواقع استراتيجية تابعة للقوات الحكومية، بمديرية نِهْم شمال شرقي العاصمة صنعاء، ومناطق واسعة من محافظة الجوف، بما في ذلك مدينة الحزم (مركز المحافظة)، وقيامهم بتصفية أبرز الجيوب المزعجة، أمنيًا، في مناطق نفوذهم بمحافظة البيضاء، على الحدود الإدارية الجنوبية لمحافظة مارب.

في كل هذه العمليات كشف الحوثيون عن البعض من خسائرهم البشرية، سواء في صفوف القادة، أو الجنود الرسميين، أو المقاتلين القبليين، لكن ذلك لم يعكس الحجم الحقيقي للخسائر، التي تكبدوها، ولم يثنهم ذلك عن التوقف عن مواصلة الحرب، في محاولة للاقتراب والسيطرة على مارب.

 فلا تزال وتيرة المعارك مستمرة، وبدت معها خريطة تموضع قواتهم بعد ثمانية أشهر من التحول المشار إليه، في شكل هلال يمر بثلاث محافظات من أصل خمس، تحيط بمارب، وهذه الثلاث هي: البيضاء، وصنعاء، والجوف، فضلًا عن مناطق الاشتباك المشترك في الأطراف الجنوبية والغربية لمحافظة مارب. 
 



استراتيجية المصفوفة المتكاملة

في سياق هذا التحول والهدف منه، عَمِد الحوثيون إلى استراتيجية عسكرية هجومية مفتوحة، زمنًا وموارد، مستخدمين في ذلك طرقًا وأساليب تكتيكية عديدة، مثل: الاختراق، والتطويق، والالتفاف (مهاجمة الخاصرة الضعيفة)، والمباغتة (الهجوم الخاطف)، واستمرار ديناميكية المواجهة (الضغط المتواصل).

 والحفاظ على تدفق المقاتلين بين ميادين التدريب والقتال، ونشر خلايا التجسس (الاستخبارات) والتخريب، ومثال ذلك: "خلية سُبيعيان" بوادي عبيدة، فضلًا عن التكتيك في اختيار مكان المواجهة، والتحديد المسبق لنتائجها، ومثال ذلك معاركهم في آل عواض بمديربات ردمان، وولد ربيع، والقريشية بالبيضاء.

في السياق العام لهذه الاستراتيجية، لعب إعلام الحوثيين، دورًا بارزًا في تضخيم مكاسبهم، وإخفاء حجم الخسائر البشرية والمادية، التي تكبدوها، وذلك ما يبني لهم، دائمًا، صيتًا واسعًا في الذهنية الشعبية، التي لم تجد، في الوقت ذاته، من يفنِّد هذا التضليل.

وإلى ذلك لوحظ تركيزهم الإعلامي على أنهم القوة التي لا تقهر، وإظهار خصومهم بالضعف والتشرذم، وتعزيز ذلك بانتهاج سياسة "فرِّق تسُد"، لتعميق الفجوة الحاصلة بين المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي)، والحكومة الشرعية، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، وفصيل من المؤتمر الشعبي العام، أفرزته أحداث تصفية الحوثيين للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، في كانون الأول/ ديسمبر 2017، وهذا الفصيل يمثله ما يسمَّى قوات "حراس الجمهورية" التي يقودها العميد طارق صالح، التي تعد ذراعًا عسكريًا له.

لم يقتصر الدور الإعلامي للحوثيين، في هذه الاستراتيجية، على وسائل الإعلام التقليدية؛ مثل: التلفزيون، والإذاعة، والصحافة، بل اضطلع بذلك وزراء، ونوابهم، ووكلاء وزارات في حكومة الأمر الواقع بصنعاء، وأعضاء بارزون في ما يسمَّى "المجلس السياسي" للحركة الحوثية، وغير ذلك من الإعلاميين والموظفين الحكوميين، وذباب إلكتروني ينتحل أسماء شخصيات يمنية وعربية شهيرة، وأخرى وهيمة، وكل ذلك يجري عبر مواقع التدوين المصغر (تويتر، وفيسبوك إلخ).
 


وقد كان، ولا يزال، هذا التركيز على جعل حرب الحوثيين على الحكومة الشرعية، تبدو "حربًا مقدسة"، تجمع بين الدفاع عن الدين، والوطن، والعِرض، في استغفال لماضي الحركة الحوثية، التي أشعلت الحرب منذ عام 2004، ولم يكن غايتها الحقيقية ما تلوح به اليوم، بل الاستيلاء على السلطة، وذلك ما وصلت إليه، أما الحرب الراهنة فهي حرب توطيد هذه السلطة، واستغلال الوقت في إعادة صهر المجتمع وفقًا لأيديولوجيتها الدينية والسياسية، التي لا عهد لليمنيين بها، وتهي مسألة تطلب عقودا زمنية طويلة، لغرسها في أوساط المجتمع، وذلك ما توفره استطالة هذه الحرب. 


خسائر النصر بأيّ ثمن

تقضي استراتيجية الحوثيين السيطرة على مارب بأي ثمن؛ ولذلك ليس هنالك حدود لأي خسائر بشرية، ما دام الهدف لم يتحقق. وهكذا تكبَّد الحوثيون، خلال الثمانية الأشهر الماضية، خسائر فادحة تجاوزت العشرات من القادة المنتمين للجان الشعبية في الحركة الحوثية، وأقل من ذلك في صفوف الجيش الموالي لها، ممن عركتهم الحروب الستة، وما بعدها، إلا أن معظمهم أبرزته الحرب الراهنة من اندلاعها عام 2015.

في المجمل، فإن غالبية القادة العسكريين، الذين قضوا في جبهات: مارب، والجوف، والبيضاء؛ ضباط ميدانيون منحوا رتبًا شَرَفية رفيعة (فخرية حسب الاصطلاح الدارج)؛ لكونهم ليسوا خريجي كليات عسكرية، ولم يلتحقوا بمعاهد وأكاديميات عسكرية عليا، ولا أدل على ذلك من أن المتتبع للسير الذاتية لهؤلاء القادة، لا يجد لهم أثرًا واقعيًا، أو رصيدًا عسكريًا معلومًا في تاريخ الجيش السابق، الذي انخرطت قطاعات منه في صفوف الحركة الحوثية، فيما تكشف صورهم الشخصية المنشورة للتعريف بهم بعد موتهم، حداثة أعمارهم، قياسًا بالرتب، التي يحملونها، والتي تراوح بين عقيد وعميد ولواء! 

أما ميليشيا "اللجان الشعبية"، التي لا يُذكر الجيش الموالي للحوثيين إلا وتُذكر بجانبه؛ فتقاتل منفصلة عن هذا الجيش. وبحسب إفادة العديد من الأسرى، الذين وقف هذا التقرير على اعترافاتهم؛ فإنه يجري تشكيلهم في أفواج مئوية العدد، بين (300-500 مقاتل)، بعد استقطابهم عبر شيوخ القبائل، وسماسرة التجنيد، تحت إغراءات متنوعة؛ حيث يوعدون بنفقات شهرية لأسرهم، ومرتب شهري يصل إلى ثلاثين ألف ريال، ومنهم من يُنمح رتبًا عسكرية، وقيادة للمجموعات المنبثقة عن هذه الأفواج، أثناء الزج بها في المعارك.

في سياق هذا التحشيد، يبرز الدور الخطير لما يسمَّى "الدورات الثقافية"، التي يلتحق بها، إجباريًا، كل مجند؛ حيث يجري صهره وإعادة قولبته على نهج وفكر الحركة الحوثية، خلال فترة بين (20-30 يومًا)، يؤدي في ختامها قسم الولاء والبراء لزعيم الحركة الحوثية، عبد الملك الحوثي، فضلًا عن الصراخ بما يسمَّى "الصرخة"، الذي تعبِّر عن الانصهار الكامل في الحركة.  وهناك وسائل إغواء أخرى مكلمة، مثل: استخدام الأسحار، والطلاسم، التي تسُوق المقاتلين إلى المعركة في غياب تام عن المصير السيء الذي ينتظرهم. 
 


 


عادة ما تثار أسئلة بشأن خسائر الحوثيين، وما الذي يجعل التجييش المستمر لا يواجه بأي رفض شعبي؟! 

لا شك أن هنالك عوامل كثيرة وراء ذلك. ففضلًا عن الدورات الثقافية المشار إليها سابقًا، ووسائل الإغراء التي تطال الشباب المنخرطين في صفوف الحوثيين، والدور الإعلامي الذي يجيِّش لذلك، بذرائع مختلفة؛ جعلت من الحرب واجبًا مقدسًا بالنسبة إليهم، إلا هنالك عوامل أخرى ذات أهمية كبيرة، يمكن إيراد بعض منها في ما يلي:
 

1- منهجية الحركة الحوثية، القائمة على العنف، وذلك ما تكشف عنه أدبياتها وشعاراتها.

2- الفقر والتحلف اللذان يغرق فيهما المجمتع اليمني، لا سيما موطن الحركة الحوثية بمحافظة صعدة، وامتداتها المذهبي والعرقي (السُّلَالي) في محافظات: حجة، وعمران، وذمار.

3- تغييب دور مجلس النواب، الذي يحق له مساءلة وزير الدفاع (في حكومة الحوثيين)، بشأن الاستمرار في الحرب، دون نتيجة عسكرية تبرر فداحة الخسائر البشرية فضلًا عن المادية.

4- الممارسات القمعية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية إزاء من ينادي بوقف الحرب، وما ترتب عليه من غياب كامل لدور الصحافة والإعلام المستقلَّيْن، في مناطق سيطرة الحوثيين.

5- استراتيجية الحوثيين في حشد المقاتلين، والتكتم على الحجم الحقيقي للخسائر البشرية.


الواقع أن الحوثيين لا يردهم رادٌ عن الدفع بالمزيد من المقاتلين إلى حتفوهم؛ لأن معظم كبار قادة الحركة لم يطلهم أي خسارة من فلذات أكبادهم، ما عدا القليل، الذين اكتشفوا بأنهم كانوا في موقف غير محسوب النتائج؛ ولذلك لم يكرروا الخطأ في ما تبقى من أبنائهم وأقربائهم. 

وبما أن خسائر الحوثيين البشرية، هي، في الواقع، خسارة على اليمن كله؛ فإنه ينبغي أن يكون ضمن أولويات وسائل الإعلام اليمنية، الرسمية والمستقلة؛ التركيز على هذه المسألة، وإثارتها بشكل متواصل، لمنع الحوثيين من استدراج المزيد من الشباب البريء إلى معارك لا يعود منها إلا القليل المثخن بالجروح والعاهات المستديمة. 

إلى ذلك، على القوات الحكومية، الحرص الكبير على أن لا يكون القتل غاية؛ لأن ذلك رغبة حوثية توظفها في المزيد من التجييش المضاد والثارات، فضلًا عن ما يمثله الأسير من وسيلة للحصول على المعلومات، ومبادلة الأسرى.
 

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"  2020 ©

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر