واشنطن بوست: المعبد القديم في مأرب يشكو الاهمال في ظل حرب اليمن المهددة للتاريخ (ترجمة خاصة)

على امتداد طريق ضيق في اليمن يضج بناقلات الغاز الطبيعي وبالجنود المدججين بالسلاح، يقع معبد قديم يعاني من الاهمال والتهديد في أمة تعيش حالياً في حالة حرب.
 
فمعبد (آوام) يربط منطقة تقبع حالياً في الخطوط الامامية للحرب التي تقودها السعودية ضد المتمردين الشيعة، بماضي العرب قبل الاسلام، وهي حقبة قوافل التوابل وملكة سبأ الغامضة.
 
ويتخوف خبراء من أن المعبد، إضافةً الى معالم تاريخية وثقافية اخرى منتشرة في ارجاء اليمن من تلك الغير معترف بها من قبل الهيئات والمنظمات الدولية، لا تزال في خطر مع استمرار الحرب المستعرة.

حيث قالت آنا باوليني، وهي مديرة المكتب الإقليمي لليونسكو في قطر والذي يشرف على اليمن ودول الخليج العربي " كل القرى هي تاريخية بطريقةٍ ما ". وأضافت " كما أنها تظل إرثاً للبلد ومن المحزن رؤية ما يجري حالياً".
 
الحرب اليمنية التي مضى على اندلاعها قرابة الثلاثة أعوام أودت بحياة أكثر من 10000 الاف شخص وتسببت في نزوح مليوني يمني كما ساعدت في انتشار وباء الكوليرا القاتل في أفقر دولة عربية، في ظل أزمة اليمن الانسانية فإن المواقع التاريخية والثقافية للبلد تأثرت أيضاً.
 
وقد دمرت الغارات الجوية لتحالف السعودية منازل تاريخية مبنية من اللِبن (الطين) في صعدة منشأ المتمردين الشيعة المعروفين بالحوثيين. كما قصفت الغارات الجوية ايضاً المدينة القديمة التي يمتد تأريخها الى حوالي 2500 عام والواقعة في العاصمة اليمنية صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون. حيث تعتبر المدينة القديمة ضمن مواقع التراث العالمي في منظمة اليونسكو الدولية بسبب أبنيتها المرتفعة المزخرفة بالطوب بطريقة معقدة.
 
كما تعرضت متاحف ومواقع أثرية اخرى في البلاد للقصف جوي والمدفعي، وفي العام 2014، دمرت غارات جوية جزءاً من سد مأرب العظيم قرب معبد أوام والذي شُيد بواسطة الحضارة نفسها (التي شيدت السد) بحسب منظمة اليونسكو الدولية.
 
حتى موجات ضغط الهواء الناجمة عن انفجار عن بعد بإمكانه أن يكون كافياً لتدمير الابنية الرقيقة والضعيفة. وبحسب باوليني فقد تشاركت اليونسكو إحداثيات لقرابة 50 موقعاً تأريخيأ مع عسكريين مشاركين في القتال لمحاولة حمايتها بالرغم من بقاء العديد من تلك المواقع بدون حراسة حالياً في خضم فوضى الحرب.
 
حيث أضافت باوليني قائلةً "على الرغم من اننا شهدنا القليل من الدمار المباشر واستهداف التراث، إلا أن ذلك لايزال يحدث".
 
كما فر من البلاد مؤرخون وعلماء آثارٍ أجانب جراء القتال وأوقفوا العمل في مواقع كمعبد آوام والذي يعرف ايضاً بمحرم بلقيس، حيث يعتقد علماء بأن المعبد الذي يحتوي أجزاء تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، قد استُخدِم كمزار مقدس للإله (المقه) إله الشمس في تلك الحضارة.
 
وقد كانت مدينة مأرب المجاورة تعتبر عاصمة سلالة سبأ الحاكمة والتي حكمت المنطقة لقرون قبل ميلاد المسيح. حيث بنت المملكة سد مأرب العظيم وكانت تتحكم بطرق تجارة التوابل والبخور.
 
وقد كانت اسطورة ملكة سبأ (شيبا)-التي قيل عنها في الانجيل أنها زارت الملك سليمان في القرن العاشر قبل الميلاد -مرتبطة بأرض وقوم سبأ، بالرغم من ادعاء الاثيوبيين بانتمائها إليهم.
 
ويقول الانجيل "لقد أعطت الملك الذهب وكميات كبيرة من التوابل والاحجار الثمينة حيث لم يسبق لأحد أن يعطي الكثير من التوابل كما فعلت ملكة سبأ مع الملك سليمان " وتستمر قصة الانجيل حيث تقول " وأعطى الملك سليمان ملكة سبأ كل ما رغبت وطلبت، ثم غادرت وعادت مع حاشيتها الى بلادها".
 
فيما بعد استسلمت السلالة السبئية للتحديات القادمة من ممالك اخرى ومن ثم انهيار السد العظيم في القرن السادس بعد الميلاد، ثم بعد ذلك بزمن وجيز، انتشر الاسلام بسرعة في أرجاء شبه الجزيرة العربية حيث يعزوا القران كتاب الاسلام المقدس، انهيار السد إلى كون السبئيين جاحدين لنعم الله.
 
مأرب، التي تطورت لتصبح المدينة التي يعيش فيها حالياً العديد من ممن نزحوا جراء الحرب حيث يسمع إطلاق النار ليلاً ونهارا، لم تكن إطلاقاً مكاناً مريحاً في التأريخ الحديث، وقد شرع عالم الاثار وتاجر النفط الامريكي الشهير ويندل فيلبس بالتنقيب في معبد آوام في عام 1951 لكنه اضطر لترك جميع معداته وفرَّ مع فريقه من هجوم رجال قبليين بدو.
 
كما قام مراسل وكالة اسوشيتيد برس ويلتون وايان مع مصوره وهي زوجته ليلى بزيارة الى المعبد في عام 1957 في إطار جولة ملكية لمملكة اليمن آنذاك ً ليصبح فيما يبدوا ً أول امريكي يرى الاطلال منذ فيلبس. حيث وصف وايان مأرب في ذلك الوقت بأنها بعيدة جداً وقال "طائرتنا تاهت لأكثر من نصف ساعة عند محاولتها العثور عليها (مأرب)".
 
وبعد تفجر السد "فقد غرقت مدينة سبأ ولم تتعافى المملكة على الاطلاق" بحسب ما كتبه وايان في رسالته حيث اضاف "وقد تشتت سكانها مما أدى الى رحيل القبائل عنها باتجاه سوريا وفلسطين وبلاد ما بين النهرين".
 
وقد استأنف عالم أثرى الماني العمل في المنطقة في العام 1988 على الرغم من أن السياح الاجانب كانوا لايزالون هدفاً للمسلحين ورجال القبائل المتعطشين للفدية، وفي يوليو عام 2007 نفذ مشتبه بانتمائه للقاعدة تفجيراً انتحارياً بسيارة مفخخة وسط حشد من السياح ليؤدي ذلك لمقتل ثمانية إسبان ويمنيين اثنين.
 
في الوقت الحالي يحيط سور بسيط بالمعبد بالقرب من طريق يتمتع بحراسة مشددة والذي يؤدي الى القاعدة الجوية التابعة لتحالف السعودية والى مصفاة نفطية، كما يعيش حارس في كوخ مؤقت صغير مع اطفاله مقابل السور.
 
ومؤخراً خلال جولة رتبتها السعودية فقد انزلق مسؤولون وصحفيون اجانب خلال فتحة كبيرة في السور ليندهشوا من النقوش والمخططات العربية الجنوبية على الصخور في الداخل. حيث لازال بعضها يحمل ما بدا أنه كان طلاء احمر.

وهناك ثمانية اعمدة من صخور الكلس تعتلي الموقع على الرغم من انها مقطعة ومائلة ومشوهة بسبب الكتابات العرضية، حيث رجل يمني مسلح ببندقية كلاشنكوف على كتفه يقفز بسرعة بين ركنين، وهو ينظر للأسفل مبتسماً عند ما كان يوماً واحداً من أقدس الاماكن اليمنية القديمة.


*لقراء المادة من موقها الأصلي إضغط (هنــــا)

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر