واشنطن بوست: لماذا ليس من السهل حلُ حروب اليمن العديدة (ترجمة خاصة)

[ مسلحون حوثيون في تضاهرة بالقرب من مدينة صنعاء التأريخية ]

أصبحت حرب اليمن واحدةً من أسوأ المآسي الانسانية في العالم. التداعيات التي بالإمكان تجنبها للحرب تم توثيقها بشكل جيد والصراع العسكري في مأزق حالياً،  كما أن إعلان اسماعيل ولد الشيخ احمد في هذا الاسبوع عن أنه سيستقيل من كونه مبعوث الامم المتحدة الخاص نهاية الشهر (الجاري)، يشكل مؤشراً اخر بأن الصراع قد وصل إلى طريقٍ مسدود.
 
وفي ظل الإنذار الاخير الذي وجههُ المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي يواجه الرئيس عبدربه منصور هادي حالياً تحدياتً ليست قادمةً فقط من الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء ولكن أيضاً من داخل عاصمته المؤقتة عدن. ووسط الخلافات الدبلوماسية والصراع العسكرية فإن عام 2018 ينذر المواطنين اليمنيين بأوضاعٍ سيئة تتزايد باستمرار.
 
وبينما تزايدت مؤخراً التغطية الاعلامية للحرب وتداعياتها، فقد حظيت التطورات في اليمن باهتمام تحليلي أو علمي ضئيل نسبياً مقارنةً بالصراعات في أماكن اخرى في المنطقة كسوريا والعراق. حيث أن إمكانية الوصول للصحفيين والباحثين تخضع لمراقبةٍ وإشرافٍ دقيق ومحكم مما جعل من القيام بدراسة ميدانيةٍ حديثة تتواكب مع ما يجري على الارض أمراً صعباً.
 
فالتغطية الاعلامية محكومةٌ بالدعاية والاشاعات، معززةً السرد السائد لما يجري كونه إما انتهاكا ايرانياً أو مغامرةً سعوديةً، تلك الظروف لم تكن باعثاً على (القيام) بتحليل نظري وتجريبي مُتقن لليمن، ولذلك ففي 10 نوفمبر عقد (مشروع حول علم السياسة الشرق اوسطية) ورشةً عمل مع مجموعة متنوعة من الباحثين والمحللين ممن لديهم خبرةً عميقة على الارض.
 
حيثُ ان ستةً من الباحثين الاوروبيين واليمنيين الذي خططوا للحضور في البداية لم يتسنى لهم السفر الى واشنطن في نهاية المطاف نتيجة التداعيات المصاحبةُ لقرار حظر السفر الذي اصدرته إدارة ترامب، مما يؤكد الكلفة الكبيرة التي يدفعها النشاط الأكاديمي جراء هكذا قيود.

 أوراق ورشة العمل -التي تم نشرها الجمعة ضمن مجموعة من الدراسات الحديثة ذات الوصول المفتوح التابعة لـ مشروع حول علم السياسة الشرق اوسطية ( (POMEPتقدم رؤيةً هامة باتجاه اللاعبين المركزيين وديناميكية الحرب والتحالفات إضافةً الى أنها تظهر الكيفية التي تمزقت خلالها اليمن بطرقٍ ستجعل من أي تسوية تفاوضية امراً في غاية التحدي والهشاشة في نفس الوقت
 
العدسة الثنائية لكلاً من الحوثيين المدعومين من إيران وهادي المدعوم من الخليج مظللة بدرجة كبيرة وخطيرة، بدلاً من ذلك فقذ اظهرت الدراسة البحثية خمسة محاور تتمحور حولها الاحداث في اليمن وهي:
 
1- تحالف الحوثي -صالح 

عندما وافق الرئيس السابق صالح على مغادرة منصبه في نوفمبر عام 2011، مكنه شرط الحصانة المثير للجدل من البقاء في البلاد ومن الاحتفاظ بموارد عسكرية ومالية هامة. وسمح تحالف الأمر الواقع الذي اقامه مع حركة أنصار الله (الحوثيين) اعداءه السابقين بالسيطرة على صنعاء والاطاحة بحكومة هادي في العام 2014. حيث وصل ذلك التحالف الى نهايةٍ فاصلة وحاسمة في ديسمبر 2017 عندما فشلت دعوة صالح للانتفاض ضد الحوثيين وانتهت بمقتله.

وكما تُظهِر (ابريل آلي -وهي باحثة متخصصة في الشأن اليمني تجري دراسات حول اليمن منذ عام 2004) فقد كان الحوثيون الطرف الاقوى عسكرياً في تحالف الحوثي -صالح. وقد لا ينجوا حزب صالح المؤتمر الشعبي العام من (تداعيات) مقتل زعيمه حيث انه منذ مقتل صالح تغيرت خطوط المعركة فقط هامشياً، وتستمر الضربات الجوية للتحالف بوتيرة متسارعة، فيما تكافح الوكالات الانسانية التابعة للأمم المتحدة من اجل تأمين الوصول الى المدنيين المحاصرين.
 
2- سؤال الجنوب

غالباً يؤدي التركيز على المعركة في الشمال الى تشتيت الانتباه عن تغيرات مؤثرة على الارض في الجنوب. فالحراك الجنوبي، الذي يضم تحالفاً ذا قاعدة عريضة من الفاعلين (على الساحة) والغير راضٍ عن السياسات المتنامية لنظام صالح وهيمنة الشمال، شكل تحدياً لافتاً للقيادة اليمنية منذ العام 2007.
وبتنوعه الداخلي فقد كان الحراك الجنوبي كبيراً ومترابطاً بما فيه الكفاية لخلق تحديات بارزة لمؤتمر الحوار الوطني اليمني، لكنه منقسم بدرجة كبيرة (تبعده) عن تحقيق العديد من اهدافه المركزية.

وقد عززت الحرب كلاً من تلك الخصائص والميزات. فتقدم الحوثيين باتجاه عدن في العام 2015 اضافةً الى الحاجة لرص الصفوف ضد هكذا عدوان "شمالي" هي أمور دفعت باتجاه الهوية الجنوبية وأعادت تشكيل دعوات الانفصال.

وفي الوقت نفسه فقد شجعت الحرب ظهور دوائر قيادية متنافسة في الجنوب. فقد اوضحت (سوسان داهلجرن) بأن الدور الاماراتي الفريد في الجنوب هو ما عجل من اعلان مجلس انتقالي جنوبي وتطوير القدرة على الحكم كمقدمةٍ للانفصال.
 
3- الاسلاميين والمقاتلين الجهاديين

الحرب نقلت ايضاً صورة ومشهد المقاتلين في اليمن، فالعلاقة بين الشكاوى المحلية والهويات الاقليمية والدعوات السياسية -الدينية هي أمورٌ تصعب من تصوير المقاتلين الاسلاميين بطريقة واحدة. حيث تظهر (اليزابيث كيندل) كيف ان تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية سعى للحصول على تمويل محليٍ ضخم من خلال مشاريع تنمية المجتمع جاعلاٍ نفسه محلياً أكثر من تنظيم الدولة الاسلامية.
 
أما (لورانت بونيفوي) فيوضح إثر الحرب على المجال السياسي السلفي الاوسع، فقد غيرت الحرب من علاقتهم مع حزب الاصلاح الاسلامي والجماعات المسلحة في الجنوب، كما أن الوضع ازداد تعقيداً بتعاون الامارات مع العديد من الميليشيات السلفية بغيةَ مواجهة كلاً من القاعدة في الجنوب والحوثيين في محيط تعز.
 
4- السياسات الإقليمية
 
كما يزعم (كرستيان كوتس يولريتش سن)، فالحرب في اليمن تعد أيضاً جزءً من مجموعة سريعة التغير من الديناميكيات الاقليمية. فبرغم العملية الاممية، تدفع السعودية باتجاه التصور القائل بأن هذه الحرب هي في الاساس تهدف الى اعادة الرئيس اليمني الشرعي.

في الوقت ذاته فإن كلاً من اخراج قطر من التحالف الصيف الماضي والتزام عمان للحياد إضافةً الى سياسةٍ امارتية شبه مستقلة في الجنوب كلها امور تدفع للتساؤلات بخصوص مدى التعاون الخليجي. فبحسب (يولريتش سن) ايضاً فقد حصلت السعودية والامارات على "مناطق مختلفةٍ من المسؤولية والتي تطورت الى مجالات تنافس على النفوذ " في اليمن مما يعزز من الشكوك حول دورهم المستقبلي في سلام ٍ تفاوضي أو في مرحلة إعادة البناء خلال فترة ما بعد الحرب.
 
5- المجتمع اليمني
 
يواجه اليمنيون مهمة إعادة بناء المؤسسات السياسية والاسواق والبنية التحتية الحكومية في وجه دمار لا يحصى. فبحسب استطلاع رأي اجراه كلاً من (ماري كريستينا هينز وحافظ البكاري)، تعتمد المجتمعات المحلية تقريباً بشكل حصري على اشكال احتياط الامان المحلية ذاتية التنظيم.
أما بالنسبة لدراسة (ماريك ترانزفيلد) فتعكس أن العديد من اليمنيين بقوا آمنين مادياً الى حدٍ ما خلال الحرب بالنظر الى تركز الحرب في الحضر اضافةً الى السكان الريفي لليمن بصورةٍ رئيسية. مع ذلك تعاني تلك المجتمعات الريفية من غياب معظم البنية التحتية العامة وخدمات الدولة.
 
كلاً من علاء قاسم وعليا جربان اظهروا آثاراً مدمرة وهائلة للحرب على الشباب اليمني.
وفي ظل حرمانهم من التعليم والوصول الفعلي للعمليات السياسية فإن الشباب -والذين يشكلون ما يقارب 70%من سكان اليمن - متروكين في مواجهة خيارات قليلة. مما يثير السؤال المتعلق بكيفية دمج الشباب بصورة أكثر عملية ً في عملية اعادة البناء وبناء السلام -التحدي الذي يبدوا حاسماً بالنسبة لأي مخرجات ناجحة.
 
المقالات في مشروع حول علم السياسة الشرق أوسطية POMEPS))، ليست متفائلة جداً بخصوص عملية السلام العادل او الشامل او مرحلة اعادة البناء، (بيتر سيلزبري) يظهر كيف ان اقتصاد الحرب السياسي قد أصبح راسخاً بطرقٍ ستعيق التكيف السهل. فاليمن لابد ان يواجه ما وصفته شيليا كارابيكو بـ "اللاتطور او تدهور التنمية الناجم عن الدمار الممنهج لبنية البلد التحتية وللبيئة".
 
وفي ضوء مثل هذه التحديات، فإن دراسة POMEPS بإمكانها المساعدة في الاطلاع على السياسات التي تعزز الحل السياسي لهذه الحرب المدمرة اضافةً الى تعزيز عملية اعادة البناء الشاملة والمستدامة.

لقراءة المقال من موقع الواشنطن بوست إضغط (هنـــا)

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر