هل أتاكم نبأ تهامة؟!  


محمد علي محروس


حينما يتعلق الأمر بقضية محورية، لها ارتباطاتها المتكاملة دون خطوط انفصالية ، أو نعرات سلالية ، أو حتى دعوات فوضوية للتخريب وإقلاق سكينة العامة؛ فإن الأمر مرتبط بتهامة، المنطقة الأكثر مظلومية في البلاد، والأكثر تغييباً من قبل الأنظمة المتعاقبة على الحكم ، على الرغم من كونها ورقةً رابحةً تُستخدم عند الحاجة إليها انتهازاً ونهبا!
 
ما تعانيه تهامة على كافة المستويات يشيب من هوله الولدان، كل ما له علاقة بالحياة لا صلة له بالإنسان هناك.. الأوبئة والمجاعة والموت القسري، ونهب الثروات، والانقضاض على حقوق الناس وسلبها بالقوة أو بشظف من العيش قليل يتم به مساومة المعنين على أرواحهم تارة وعلى أعراضهم تارة لانتزاع أملاكهم من أراض ذات مساحات شاسعة، وتلك سياسة متينة دأبت الأنظمة المتعاقبة على تأصيلها في تهامة على امتدادها، فالأئمة انتهجوا سياسة الابتزاز حتى لقنهم الزرانيق درساً قاسياً في الدفاع عن النفس واسترداد الحقوق، أما في عهد الجمهورية، فبسلطة الدولة، انهب ما شئت، متى ما شئت!
 
الوضع الكارثي في تهامة ليس وليد اللحظة، ولا رهين الأزمة الحالية، بل هو حالة متفاقمة نتيجة تبعات مرحلية من نظام إلى آخر، ولم يستفد نظام حكم من تهامة كما استفاد صالح ونظامه، حوّرها كما أراد، ووزع أراضيها على من أراد، ولم يرد أحداً طلب منه شيئاً من تهامة ولو كان على حساب أبنائها، وهل كان صالح يُعمِلُ في سياسته حق الإنسان؟!
 
المزارع المنتشرة على مساحة مئات الكيلو مترات لانتهازيين من أسرة صالح وأتباعه، والأراضي الشاسعة المقتطعة لفلان وعلان، ولا تًذكر تهامة إلا عند الاستحقاقات الانتخابية والحشود الجماهيرية الاستعراضية، حيث يستفاد منها على مستوى الكثافة البشرية لقلب موازين المعادلات الجماهيرية انتخابياً واستعراضاً، ويتم ذلك مقابل وعود كاذبة ومكافئات حينية لا تتعدى يومها، وذلك يعود بالأصل إلى حالة الجهل المتفاقمة والبساطة التي تسببت في استغلال الإنسان التهامي الذي يصارع الحياة بصورة يومية لضمان قوت يومه وكفى.
 
لذلك، فالمأساة هنا متجددة وحسب، من مرحلة إلى أخرى، تظهر بصور أخرى، بناءً على الاستراتيجية المتبعة من النظام الحاكم في صنعاء، وهذا ما استفاد منه الحوثيون الذين توجهوا صوب الحديدة كثاني محافظة يتم السيطرة عليها، وانتشروا فيها كالجراد، وأخذوا ينهشون في بنيها انتهاكاً وابتزازاً وكوّنوا من وراء ذلك ثروات طائلة خلال فترة وجيزة من الاستيلاء على المنطقة البكر في البلاد.
عندما قرر التحالف العربي بدء معركة تحرير الساحل الغربي، كان لزاماً أن تكون تهامة والحديدة تحديداً على رأس أولويات التحرير؛ نظراً للأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والبشرية التي تتميز بها المحافظة والمنطقة عموما، الخوخة وحيس وتوقف الزحف، وبقيت القوات الحكومية المسنودة بالمقاومة التهامية رابضة على تخوم الجراحي، تنتظر أوامر التقدم، وتتصدى للهجوم اليومي المتواصل من قبل المليشيا على حيس.
 
المعضلة ليست هنا، المعضلة أن البديل المخلّص فاق المليشيا في ممارساته القمعية بحق التهاميين، تحت حجة أنه هو من أنقذهم وحرر أرضهم وهو ما دعا سكان المناطق المحررة في الخوخة وحيس للترحم على الحوثيين الذين وصفوهم بأنهم أرحم في معاملتهم للناس من القوات الحكومية الجنوبية المدعومة من قوى بعينها في التحالف.
 
سياسة البطش والتنكيل بتهامة مستمرة، حتى الفاتحين الذين يحملون بشارة الدولة الجديدة، فاقوا أسلافهم في ممارساتهم الغير مبررة، يأخذون إتاوات قسرية، ومن يأبى يتم اعتقاله وترحيله إلى سجون خاصة في المخا مع رزمة من التهم الموجهة وعلى رأسها مناصرة الحوثيين والتعاون معهم!
 
أهكذا يتم استتباب الأمن؟ أهكذا تتم استعادة البلاد من تلابيب سرطان مليشيا الحوثي لتقع فريسة في أيدي مليشيا أخرى تفرض أجندة قوى لها أطماعها المتجاوزة لطموحاتنا وآمالنا في دولة تحتوي الجميع؟
 
أهكذا تعبثون بتهامة وأبنائها، لا لشيء سوى أنها تتوق مع ساكنيها لدولة الكرامة والقانون ، فيستعيدون في ظلها ما نُهب من ممتلكاتهم، ويحصلون على حقهم من ثرواتهم المهدرة على امتداد الساحل وفي عمق الصحراء وعبر الأودية والهكتارات المزروعة بأصناف الفواكه والمحاصيل والخضروات؟
 
هذه هي تهامة، سلسلة من العناء والمعاناة، أرض تتألم وهي رهينة الاستباحة، وما من دور جديد لمرحلة جديدة إلا وكان لهذه المنطقة المسالمة طبعاً وطبيعةً حظها الوافر من الألم.. ولا حياة لمن ننادي ولا وجود، فهل وصلكم نبأ تهامة؟ وما أنتم فاعلون؟!

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر