مبعوث السلام المستحيل


محمد علي محروس

 لم يبقَ دورٌ يقوم به مارتن جريفيث المبعوث الأممي إلى اليمن سوى عقد لقاءات مباشرة، ومنتديات أسبوعية لاستجداء الشباب بضرورة اقتراح حلول واقعية للوصول إلى تفاهمات سلام بين الأطراف اليمنية.
 
يبدو أن الرجل وصل إلى طريق مسدود بعد أن كان الحديث عن مسودة سلام شامل طرحت على كافة الأطراف وبأنها نالت تفاعلًا إيجابيًا بشكل أولي من الجميع، وهو مسعى علّق عليه مارتن الكثير من الآمال قبل أن يصل إلى طريق مسدود بفعل إصرار الحوثيين على الهجوم المستمر على مأرب وعدد من المحافظات الأخرى في نحو ثلاثين منطقة نزاع مشتعلة في أرجاء البلاد.
 
لا منطقية في الدور الذي يقوم به الرجل، فهو لا يستطيع التحكم في المسار الحاصل، ولا يملك ذرة تأثير البتة، وهو ما يجب أن يكون في حسباننا حين نتعاطى مع الدور الأممي الراهن، فالحوثيون لا يعرفون التوقف عسكريًا، ويتماهون في صناعة الهوة الاقتصادية، والتباينات الاجتماعية والثقافية، ويقفون في وجه أي حل يضع حدًا للصراع المميت منذ ست سنوات.
 
حري بجريفيث انتهاج منهجية واضحة للضغط على إيقاف كافة العمليات العسكرية، وتوقيف التصاعد الحاصل في المواجهات الاقتصادية، خاصة واليمن تحت البند السابع، والوصاية الدولية، وهو ما يعني التدخل المباشر لضمان وضع معين بحيث لا يتأثر المدنيون مما يجري بشكل عام، وهذا ما لم يتقنه جريفيث، فمأرب تحت النار، والقذائف تتساقط بشكل يومي على تعز، والانهيار المتواصل للعملة الوطنية يفاقم من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والأمم المتحدة بمبعوثها لا تجيد سوى المناشدة وحسب إضافة لتقارير الشد والجذب والتنديد والقلق، لا تجيد أكثر من هذا.
 
نعيش كيمنيين فاقدين لأمل الخلاص من الوضع الراهن، فالحرب أخذت أشكالًا مختلفة، ومعها واصل المبعوث الأممي العزف على اسطوانة المحاولة، ويتجول من عاصمة إلى أخرى ثم يعود بالقلق ويتوقف عند هذا.
 
يبدو أننا فقدنا الحيلة، تمامًا كما فقدها جريفيث، بعد أن استبشرنا بقدومه وبأنه سيضع حدًا للحالة التي تمر بها البلاد، وسيقرب وجهات نظر الفرقاء اليمنيين، وقد يصنع سلامًا طال انتظاره، لكن الرجل ذهب في اتجاهات عدة، وسط انخراط اللاعبين الإقليميين والدوليين في مهاترات لا نهاية لها، والعمل على صناعة وقائع جديدة في الساحة اليمنية تتنافى مع الإرادة الشعبية، ولا تحظى بقبول وطني فقط تتقوقع في إطار الاستجابة لمصالح بعينها للنافذين الإقليميين ومركزي الصراع في طهران والرياض، ومن خلفها العين التي لا تغض طرفها عن اليمن من قبل بريطانيا والتي تعمل بكل قوتها للدفع نحو سلام تشرعنه إرادتها ونظرتها الاستعمارية للمنطقة بمباركة المبعوث الذي يمثلها ولا يمثل عصبة الأمم.
 
علينا اليوم أن نتماسك أكثر، أن نتفق بيننا البين في الإطار الشعبي، لا ننجر لمزيد من التباينات، لا نصنع الفجوات، يكفي هذا البلد ما صنعه به مسؤولوه، وما فعلته فيه نخبه الجوفاء، يكفيه أنه تائه، خائر القوى، لا منقذ ولا نصير.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر