حفتر في اليمن!


محمد علي محروس

لا يبدو الوضع، بتلك الصورة الواضحة، التي تشجعك لاستشراف مستقبلي ذي دعائم وركائز مرحلية متجلية، ولا توجد مؤيدات حقيقية، تدفعك للاطمئنان ،كنصف دواء لهواجس ووساوس الأوضاع المتقلبة في البلد.
 
أعادت قوى إقليمية مدعومة من اللاعبين الدوليين في المنطقة اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى واجهة المشهد العسكري والسياسي الليبي – وهو الذي اختلف مع القذافي أواخر الثمانينيات وغادر ليبيا إلى الولايات المتحدة حتى اندلاع ثورة فبراير2011م- ليقلب الطاولة؛ إثر مقتل معمر القذافي حينها، وليتصدر المشهد أخذاً بزمام المبادرة وقائداً للثورة المضادة التي حجمت من دور ثوار فبراير وعاملاً على إقصائهم بالقوة العسكرية من محافظة إلى أخرى وسط دعم غير محدود من القوى الإقليمية الراعية للثورات الخريفية الرامية إلى إسقاط كافة أوراق الربيع وتحويلها من الواجهة إلى المواجهة ومن تبني القضية إلى الملاحقة والتهمة.
 
بذات الطريقة، مع اختلاف الزمان والمكان والآلية، يتم تحوير المشهد اليمني، الذي ينحو منحى تصعيدياً من حين لآخر، وسط حالة غير مسبوقة من التعقيد العسكري والسياسي والاقتصادي.
 
طارق نجل شقيق المخلوع صالح ، وقائد حراسته الخاصة، في ما عرف بأحداث ديسمبر في صنعاء نهاية2017م، التي انتهت بمقتل صالح، يعود مجدداً إلى واجهة المشهد، رغم الغموض الكبير الذي اكتنف مصيره عقب مقتل عمه باعتباره قائداً لحراسته الخاصة، ليظهر مجدداً في مخيم عزاء بشبوة، مثيراً بذلك استفهامات عدة حول كيفية نجاته من الأحداث الدامية التي شهدتها صنعاء، وطريقة مغادرته لها رغم مقتل قائده وانقلاب الوضع رأساً على عقب.
 
  لكن الأمر بدا أكبر من محاولة للمغادرة، ويتجاوز بمراحل مقتل صالح، حيث القوى الإقليمية اللاعبة في المشهد اليمني رأت فيه – أي طارق - منقذاً لمصالحهم ومآربهم التي تتجاوز هي الأخرى القضاء على الإنقلاب واستعادة الشرعية لزمام المبادرة...اللعبة تقتضي سيناريوهاً مغايراً لما يحدث، ووضعاً عسكرياً مختلفاً بتشكيلاته وولاءاته ورموزه، إضافة إلى تفاهمات لها أبعاد محورية لا علاقة لها لمن يسيطرون على الأرض سواء الجيش الوطني الشرعي أو من يؤيده من قيادات قبلية وتشكيلات المقاومة الشعبية الرافدة.
 
  في عدن، كان طارق ضيفاً مرحباً به لدى قوات التحالف، لدواع هي الأخرى مجهولة حتى لحظة اندلاع الأحداث الدامية في عاصمة البلاد الشرعية وأولى المحافظات المحررة، لتنتهي المواجهات الدامية إلى تفاهمات نزعت فتيل الاقتتال وصوبت الجهود نحو مسار مواجهة الحوثيين ومشروعهم السلالي، وتوجت تلك التفاهمات باكتساب لاعب جديد لا يعترف بشرعية هادي وقاد التمرد رفقة الحوثيين عليه ويعمل تحت مظلة التحالف، ووسط هذه التناقضات المريبة ظهر طارق صالح مرتدياً بذلته العسكرية في أحد مقرات التحالف العسكرية بالمخا ، إحدى مناطق الساحل الغربي.

في ظل هذه المستجدات، تسربت معلومات عن رفض قيادات جبهات الساحل الغربي الميدانية لطارق صالح، واتفاقها على أن تمضِ في خطتها العسكرية دون مد يد التوافق مع من وصفته بسافك لدماء اليمنيين وأحد المتمردين على الرئيس هادي وشرعيته الدستورية...إلا إن ذلك الرفض لم يمر مرور الكرام لدى قوات التحالف الداعمة لطارق، حيث عقدت اجتماعاً طارئاً في أبوظبي بحضور قادة ألوية الساحل مُرغِمة الجميع لقبول طارق الذي أصبح بعدها حسب معلومات مؤكدة قائداً للجبهة رغم حالة الاستياء الواسعة لدى القيادات العسكرية والأفراد التابعين لهم في جبهة الساحل.
 
  طالعت خبراً في صحيفة العرب، يصل الخبر إلى قناعة تامة لدى قيادة التحالف العربي، أن طارق هو رجل المرحلة ،ومن يملك زمام الأمور لتحقيق مكاسب ملموسة على الأرض، راميةً بتهمة الإخفاق مدى ثلاث سنوات من المواجهات صوب قوىً لها أيدولوجياتها الإسلامية ومدللة على معارضة هذه القوى الشديدة لأن يقود طارق معارك الساحل.
 
  ما هو مهم الآن، أن التخطيط العسكري، وإعادة فرز محاور القوى ، وتحديد خريطة المواجهات ، لم يعد بيد قادة عسكريين محسوبين على الشرعية حتى وإن حاولت قيادة التحالف إبراز ذلك بواسطة اجتماعات دورية يعقدها نائب الرئيس والقائم بأعمال وزير الدفاع اللواء المقدشي..هناك ترتيبات حقيقية تتجاوز الجميع، لتجعل من طارق صالح رجلاً مهماً من خلال قيادته لإحدى أهم جبهات القتال ويؤكد ذلك ما يتلقاه من دعم لوجيستي جعله يعيد ترتيب قواه بواسطة معسكرات خصصت لاستقبال المحسوبين على قوات الحرس الجمهوري المنحلة والتي كان يديرها ابن عمه أحمد.
 
  تخطط قوى إقليمية ولاعبون دوليون لإعادة تكرار التجربة الليبية في اليمن، فقوى الثورة المتعاضدة ، والمكونات العسكرية المساندة لهادي، والمؤمنة بضرورة استكمال مسار ثورة فبراير الشبابية، قد تجد نفسها في مواجهات دامية مع نجل شقيق المخلوع صالح، الذي تُمهد له الطريق ليصبح قائد معركة صنعاء وفاتحها العظيم ؛وما الترتيبات الجارية على قدم وساق والضربات الجوية المصوبة في نهم على قادة بعينهم ومناطق محددة إلا دليل قطعي على ما يتم تنسيقه وترتيبه ؛لاستنساخ حفتر جديد في اليمن، لينفذ ذات الرؤى العسكرية والسياسية والاقتصادية، لذات القوى التي أعادت اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى واجهة المشهد الليبي على الرغم من نفيه وعزله.


*المقال خاص بـ"يمن شباب نت"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر