يستنزفونهم فيستنزفوننا!


محمد علي محروس



ليس للحرب نهاية، كل يوم يمر يبتكر الصراع طريقة لإطالة أمدها، وينتهز الفرص للإيقاع بأطرافه للاستمرار في حبك سيناريو يزيد المشهد صعوبة وتعقيدا.
 
في اليمن، كنّا نذهب بصورة هيستيرية نحو حرب يستأسد فيها طرف على أطراف، وكنّا أيضاً سندخل في مضمون حسابات معقدة كتلك التي في سوريا، وسنصبح هاوية لصراع إقليمي دولي وساحة لتصفية معلّقات مصالح شائكة كما يجري في سوريا وأكثر.. لكن التدخل السعودي في المشهد اليمني دفع بالمواجهة بعيداً عن الحالة السورية، وأحدث توازناً يمكن استشعاره حين نستعيد تفاصيل الخارطة العسكرية من حيث العدة والعتاد.
 
جاء التدخل السعودي منقذاً كما تقول الرواية، وبطلب مبهم من الرئيس الشرعي هادي، الذي كان حينها في منطقة نائية على الحدود مع عمان؛ للهرب باتجاه السعودية كمنفذ أخير تبقّى له بعد الهجوم الحوثي على عدن.. واصلت السعودية ومن وقف صورياً معها من دول التحالف استهداف القواعد العسكرية الجوية والمطارات ذات الصلة وكبرى المعسكرات اليمنية التي سيطرت عليها مليشيا الحوثي في عملية عاصفة الحزم التي استبشر بها اليمنيون لإعادتهم إلى زمام المبادرة بعيداً عن حالة الانقلات السائدة بسبب التمرد الحوثي على مؤسسات الدولة وثروات البلاد.

شهر، شهران، ثلاثة أشهر، لم تأتِ بجديد، بل زادت رقعة المواجهات، وتوسعت عملية الاستهداف الحوثية للمناطق الحيوية في اليمن سواء السكنية أو الاقتصادية ، غير آبهة بعدد الضحايا المدنيين من شهداء وجرحى، المهم بالنسبة للحوثيين أن يوقعوا لهم ضحايا من كافة الشرائح ،إضافة إلى من شردوهم، ومن صادروا عنهم وظائفهم، ومن ماتوا جوعاً ؛بسبب مآلات الوضع وحالة التأزم السائدة في البلاد.
اكتفى التحالف العربي بالضربات الجوية، وعمد الحوثيون إلى التوسع والانتشار أكثر وأكثر ، علامات استفهام مثيرة للجدل حول ما يجري في البلاد، فعاصفة الحزم لم تحقق الكثير من أهدافها، سوى تحييد سلاح الجو، وليتها أفلحت بل لا تزال المدن السعودية في مرمى الصواريخ الباليستية حتى اليوم.
 
طويت صفحة الحزم وبدأت عملية أخرى تحت مسمى إعادة الأمل، لكنها لم تأتِ بجديد، واستمرت على نهج سالفتها، وزادت على ذلك باستهداف طيران التحالف العربي مدنيين بضربات جوية غير مبررة راح ضحيتها المئات من كافة الشرائح.
 
على الأرض يستهدفنا الحوثيون بقذائفهم الصاروخية وأسلحتهم المتنوعة، ومن السماء تواصل طائرات التحالف استهدافنا بضربات تبررها بالخطأ، وتستهدف بالخطأ أيضاً بنى تحتية ومشاريع حيوية عدة وكأنه بالإضافة إلى الأهداف العسكرية المعلنة هناك هدف جامع يحمل الاستنزاف.
 
وهذا ما يحدث اليوم، عملية استنزاف واسعة، على المستوى البشري، لدينا آلاف الشهداء، وآلاف الجرحى المقعدون، وملايين النازحين والمشردين، ومثلهم ممن يتخطفهم الموت جوعاً ومرضا، واستنزاف آخر على مستوى قراراتنا السيادية المصادرة، حيث بتنا كيمنيين رهيني القرارات الأممية التي لا تمر إلا عن طريق التحالف العربي وكذا فيما يتعلق بقراراتنا الداخلية اختياراً وتعييناً ، واستنزاف لثرواتنا وخيراتنا ومقدراتنا من نفط وثروات طبيعية وبحرية لا نملك حق التصرف فيها وليس لدينا القدرة على إعادة تشغيلها وتصديرها بسبب كماشة التحالف العربي على مناطق الثروة من حضرموت إلى شبوة إلى مأرب وصولاً إلى عدن إضافة إلى موانئنا المنتشرة على سواحل طولها أكثر من2000 كيلو متر.
 
بالمثل يعاملوننا، كما يفعل الحوثي الذي صادر لقمة العيش، واستنزف ثروات البلاد، واستفرد بالقرار وانتهز كافة الفرص للابتزاز بالقوة كذلك تفعل دولٌ بعينها من التحالف العربي بنا، وتمارس بواسطة خلاياها التابعة لها أصناف من العبث والابتزاز كما تفعل مليشيا الحوثي وأكثر.
يستنزفوننا جميعاً، ويُستنزفون في حرب عبثية، أقحموا أنفسهم فيها لإنقاذ اليمن، كما يقولون، ثم باتوا مستوردي سلاح بكميات ضخمة وصفقات بمليارات الدولارات تستنزفهم بها دول السلاح على رأسهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا، هذا خلاف التعاون الاستخباراتي المدفوع، وما يتعلق بالجوانب التجارية والنفطية، وفوق ذلك الخضوع المعلن لكل ما يأتي من هذه الدول.
 
وسط حلبة الصراع، يستنزف التحالف العربي اليمن من كل شيء إلا من حملاته الإغاثية التي يساوم بها منظمات حقوق الإنسان، ويغطي على التقارير المفزعة للتجاوزات الحاصلة جراء التدخل العسكري الذي لم يحرز ذلك التقدم المأمول، وتستنزفه الدول الكبرى بتلويحاتها المتواصلة لاستصدار قرارات أممية مدينة وسرعان ما تسارع الإمارات والسعودية للتعامل مع الموقف بطلب كميات سلاح غير مبررة وبصفقات خيالية لا يمكن وصفها إلا بأنها استنزاف لثروات بلدان التحالف ضمن خطة استراتيجية تستهدف أمنها المستقبلي، ولكن لا حياة لمن ننادي.
 
نحن وهم في بوتقة واحدة، لكنهم لا يستشعرون ذلك، فقط يتلذذون باستنزافنا حسب ما رسموه، ويستلذون باستنزافهم من دول الدعم اللوجيستي على مدى يثير الدهشة والتعجب لمستقبل غير واضح المعالم لليمن وللخليج وللمنطقة برمتها.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر