مع الدولة ضد السلاح المنفلت


ياسر عقيل

تجربة اليمنيين في المواجهة المسلحة مع الدولة مريرة جدا، وللعام الثالث على التوالي والبلاد تعيش تداعيات التراخي في مواجهة الميلشيات المنفلتة والتي تعمل على تنفيذ أجندات خاصة وإقليمية أيضاً على حساب حلم اليمنيين في الاستقرار واستعادة الدولة.
 
من حيث المبدأ ليس من المنطقي ان تقف مع فصيل مسلح ضد الدولة أيا كان سوء الإدارة للحكومة، فالمبررات التي تسوقها الفصائل المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي في الجنوب عن فساد حكومة بن دغر لا تبرر التحشيد المسلح والانقلاب على مؤسسات الدولة، لأن ذلك تأسيس لشرعية الغاب والاستقواء بالسلاح.
 
الجميع يناهض الفساد القائم في الحكومة الشرعية لكن ذلك ليس مبرراً للعبث ضمن أجندة خارجية تعمل على تحقيق أهداف معينة لتصفية حساباتها مع قيادات في الدولة يرفضون الهيمنة المذلة والسيطرة التي تفرضها الإمارات على مسار الأحداث في مدينة عدن، عبر أذرعها العسكرية المتمثلة في الحزام الأمني.
 
ذاكرة اليمنيين ليس معطوبة في نسيان انقلاب ميلشيات الحوثي على الدولة وإسقاط مؤسساتها بتلك الشعارات الفارغة في مناهضة الفساد والقوى التقليدية، والتي كانت تروق للكثير من الأطراف التي صمتت حينها، لكنها في الأخير تذوقت ذلك الكأس المُر من الميلشيات المنفلتة والتي قضت مؤخراً على حليفها الاستراتيجي في الانقلاب صالح وحزبه.
 
إضعاف الدولة واستهدافها بضربات متتالية منذ الانقلاب في صنعاء يبخر أحلام اليمنيين في استعادة الدولة كحامي وحارس للجميع، ويؤسس لثقافة الفوضى الانتهازية بقوة السلاح والتي سيحترق منها الجميع، وخاصة في المحافظات الجنوبية التي تكثر فيها القيادات المتناقضة ضمن الهوس السلطوي التاريخي والشعور بالأحقية في قيادة النضال والسلطة.
 
في الوقت الذي يطلب اليمنيون تواجد الرئيس والحكومة في عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، تعمل قوات الحزام الأمني كطارد للمؤسسات الحكومية، وممارسة التمرد المسلح على الحكومة، وبدا ذلك واضحاً خلال أحداث اليوم من الفيديوهات الذي نشرت، والتي تكشف جزء من حقيقة الثقافة المتردية لتلك الفصائل المسلحة التي تبحث عن انتصار وهمي.
 
هناك مسؤولية تاريخية تقف أمام الرأي العام في اليمن في تأسيس ثقافة احترام سلطة الدولة في بسط سيطرتها الأمنية على كافة المحافظة، ورفض الميلشيات المسلحة أياً كانت وتحت أي شعار، في الوقت الذي أصبحت كل المجالات متاحة للمطالبة في انهاء الفساد وتغيير الحكومة، لكن ذلك ليس على حساب هيبة الدولة والتسليم بقدرة قوة سلاح الميلشيات على فرض ذلك.

لن يبني اليمنيون دولتهم أو يستعيدوها، في ظل هذا الارتهان والتسليم للقوة والأمر الواقع المفروض من قبل قوات الحزام الأمني في الجنوب أو غيرها في المحافظات الأخرى، وأيضً ضعف الحكومة وأدائها الهزيل، والتي لم تستطع إلى حد الآن التفاهم من دول التحالف حول تمرد تلك القوات عن سلطة الحكومة في العاصمة المؤقتة، الصمت المخزي سيؤدي إلى كوارث أكبر بكثير.

في ظل  استمرار هذا الوضع لن تجد الحكومة مستقبلا مناطق تتواجد فيها، سيفتح المجال بشكل أوسع للفصائل المختلفة في التحكم بمصير المواطنين، وتتكرر تجربة ميلشيات الحوثي في مناطق سيطرة الشرعية والتي من المفترض ان تكون أكثر حزماً.

*المقال خاص بـ"يمن شباب نت"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر