(عفرين)..مهما كان الثمن!


محمد علي محروس


أخيراً، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بدء عملية ((غصن الزيتون)) ،الهادفة إلى تطهير مدينة عفرين من وحدات حماية الشعب الكردية ،المدعومة أمريكياً ،والتي تمثل تهديداً حقيقياً على الأمن القومي التركي ،كما يقول مسؤولون أتراك، ولن تتوقف العملية في عفرين، بل ستصل إلى منبج، ومنها إلى الحدود العراقية التركية، بحسب الرئيس أردوغان.
 
العملية العسكرية التركية لن تتكفل بتأمين الحدود وحسب، بل ستعمل على كبح جماح الوحدات الكردية ؛التي تعتبرها أنقرة ذراعاً عسكرياً لحزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابياً ،وتتهمه مع تنظيمات كردية أخرى بتنظيم هجمات إرهابية شاملة، تهدد الأمن العام التركي ،وتشكل خطراً كبيراً على المستويين الاقتصادي والسياحي للدولة المتجددة منذ عقدين.
 
بهذه العملية، تحقق تركيا أهدافاً كبيرة سياسياً وعسكرياً ، فهي تريد أن توصل رسالة ذات فاعلية حقيقية لحليفتها في حلف شمال الأطلسي أمريكا، التي قررت مؤخراً تشكيل جيش كردي قوامه 30 ألف مقاتل بقيادة قوات سوريا الديمقراطية؛ لمواجهة تنظيم داعش كما تقول ، وهو ما اعتبرته تركيا تهديداً مباشراً لأراضيها ؛لتقدم على الخطوة الاستباقية بحشد آلاف الجنود والعربات العسكرية وعدد من الأسلحة الاستراتيجية ،بالإضافة إلى سلاح الجو الذي سيتكفل بشن غارات مكثفة على مواقع الإرهابيين الأكراد، وكذا منظومة للدفاع الجوي ونظام “قايي” للأمن الحدودي المزود بأجهزة استشعار إلكترونية متطورة، والذي تم نشره على الحدود بين ولاية هاتاي التركية، ومدينة عفرين.
 
وعفرين، لمن لا يعرفها ؛مدينة سورية تابعة لمحافظة حلب، تتشكل في أقصى الزاوية الشمالية الغربية من الحدود السورية التركية ، كما تتمتع بأرض خصبة وتمتاز بزراعة الزيتون حيث يوجد فيها نحو سبعة ملايين شجرة.. من هذا المنطلق ،تتمتع بأهمية خاصة لدى تركيا ؛بسبب قربها الحدودي الذي تستغله وحدات الشعب الكردية لتأمين وصول إرهابيين إلى  الولايات التركية القريبة لتنفيذ هجمات إرهابية متعددة ،وهو ما حدث بالفعل منذ بداية الصراع  السوري، وانحراف مساره العسكري مؤخراً، وعزز من سوء ذلك دخول أمريكا كسند قوي للقوات الكردية؛ من أجل مآرب مستقبلية غير معلنة، وهو ما تعمل القيادة التركية على كبح جماحه مبكرا.
 
يذهب محللون إلى أن معركة عفرين ستكون معقدّة ؛بسبب الظروف السياسية والعسكرية التي فُرضت على تركيا بشكل مفاجئ، لكن نائب رئيس الوزراء التركي، هاكان جاويش أوغلو، أكد تمسك أنقرة بتنفيذ العملية العسكرية في عفرين "مهما كان الثمن".، وهو ما يتطرق إليه محللون عسكريون حيث يرون أن الجيش التركي يمسك ببعض الأوراق التي ستكون لها فاعليتها على الأرض كما حدث في عملية درع الفرات، هذه الرؤية تُواكب باستعدادات مكثفة لفصائل الجيش السوري الحر ،الذي من المزمع مشاركته في العملية بعشرين ألف مقاتل من خلال مواجهات واعدة مع قوات سوريا الديمقراطية في عفرين.
 
بهذه العملية تدشن تركيا عامها الجديد، الذي يبدو حتى اللحظة عاماً استثنائياً على كافة المستويات للوصول إلى اكتمال الرؤية المتبعة من أجل تركيا 2023؛ لذا يحشد الأتراك جهودهم السياسية والعسكرية والاقتصادية للتقدم خطوات نحو تحقيق الرؤية التركية التي حققت حتى الآن تقدماً لافتاً لمسه الشعب التركي عامة ،ولمسناه نحن العرب من خلال الأدوار المحورية التي لعبتها تركيا مؤخراً ،سياسياً واقتصادياً وعسكريا.
 
 سيكون عاماً للمجازفة من أجل الأهداف المنشودة، هذا ما تذهب إليه الشرائح التركية بمجملها ، وقد اتضح جلياً من خلال البدء بعملية عفرين التي سيجني ثمارها السوريون بصورة أولى ومن ثم تركيا الدولة والشعب بأبعادها الاستراتيجية المعلنة.

نتابع بأمل كل ما يتعلق بالعمل التركي المكثف ؛للحفاظ على صفحة بيضاء ناصعة من تاريخنا المدمل ونواكبه بالأمنيات البيضاء التي تحفه بالنجاح وتكلأه بالمحبة والتعظيم والدعاء، حتى لا تنجرف تركيا في معابر الأحداث؛ فتصبح لقمة سائغة للأعداء المتناثرين من حولها، والمتكالبين عليها ؛بغية إيقاف عجلة التنمية المستمرة في كافة القطاعات ،ولن يكون لهم ذلك، فتركيا الفتية لن تخضع ،ولن تستسلم ،وستواصل ما رسمته بعزم أبنائها حتى تصل، وحتماً ستصل.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر