هناك من يستفيد من الحرب كلها، يحللها، لا يفوّت فرصة للانقضاض على نصيبه منها أو ما يعتبره كذلك. وهذا في نظري ما تتقنه الأمم المتحدة وتفرعاتها ذات الاختصاص؛ كلٌ فيما هو مسخر لأجله؛ كون الأمم المتحدة منظمة دولية مستقلة كما تزعم، مهمتها فض النزاعات، وإيجاد حلول سلمية تتقبلها كافة أطراف النزاع...!
 
بالله عليكم؛ هل حققت الأمم المتحدة شيئاً من هذا القبيل؟
 
هاتوا لي مثالاً واحداً يدل على أنها نجحت في كل أزمة تدخلت لحلها..! لا يوجد.
 
غامضة هذه المنظمة الأممية في كل ما تقوم به، وفي كل ما تنظمه من أنشطة ومؤتمرات ومنتديات تواري بها حقيقة ما أنشأت من أجله: رعاية مصالح الدول الكبرى، وابتزاز الدول المالية من خلال حملاتها التوعوية والتحصينية ضد أوبئة سرعان ما نكتشف أنها اصطنعت للابتزاز واختلقت للتهويل...! أو هكذا يعتقد الكثير من المتابعين.
 
لم تفلح منذ أن تأسست. بعثاتها تختلق التعقيدات، وتخضع لكيد المصالح المتضاربة، فتُظهر غير ما تُبطن، وتتبنى رأي طرف على حساب الآخر دون إشعاره، فيبدو ضمنياً في سلّم المعاملات...! قراراتها مهترئة لا تتجاوز قبو قاعة الانعقاد الذي عقد خصيصاً لأجلها، هذا إن كتب لها العبور من فناءات فيتو الدول الخمس الكبرى، ذات القرارات المصيرية والمستأسدة بأروقة المنظمة الأممية تسييراً وتنظيرا، وفقا لمصالحها بالتأكيد. وإلا ما معنى أن الفيتو تختص به دولٌ خمس دون غيرها؟ بل لماذا شرّع أصلا؟
 
ألا يكفي هذا لجعل الأمم المتحدة مفروغة المضمون؟ أي لا فائدة منها...!
 
في ملفات الدول الصغيرة، سرعان ما تهرع، ويسود التوافق مع حسبة الترضية للدول الوصية، وذلك ما يحدث تماماً في الشرق الأوسط؛ سبعون سنة من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، عشرات القرارات الأممية المنفردة بضمان الحق الفلسطيني،.. لم يتحقق منها شيئا، وعلى حين غرّة يُكتفى بدعوات التهدئة والشعور بالقلق على الأكثر...!
 
سوريا هي الأخرى وقعت في مستنقع المنظمة الأممية، فمن جنيف إلى جنيف، ومن مبعوث إلى آخر، دون نجاح يذكر أو حلحلة للأزمة يمكن ملامستها؛ فتارة تنقض روسيا القرارات المفترضة، وتارة يدخل صراع المصالح فينقض على أرواح السوريين حاصداً المزيد من أرواحهم بكل ما توصلوا إليه من أسلحة مدمرة...!
 
سيجيبكم على ما تحقق للسوريين، أولئك المشردون في العراء؛ الباحثون عن مآءوٍ تحميهم من صلف حرارة الصيف وزمهرير الشتاء؛ جميعهم تنصلوا إلا تركيا، هكذا سيجيبونكم.
 
حتى العراق، ثاني ضحايا المنطقة التي وقعت في فخ الأوبئة؛ حين تداعت عليها الأمم وتوجت جولتها التفتيشية بتقرير ضال أودى بحياة الملايين وحوّل دولة برمتها إلى كومة من الصراعات تتنازعها المصالح، كلٌ بما أحب، وإلا ما جدوى التكالب هذا إن لم تكن إيران الوصية وأمريكا المستفيدة؟!
 
سلوا أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار: ماذا فعلت لهم الأمم المتحدة؟ سوى مخيمات اللجوء، والتي تكفلت بأكثرها تركيا بعد أن وافقت بنجلاديش على قبولهم كنازحين من نيران حرب الإبادة المستمرة على مرأى ومسمع من منظمة فض النزاعات...!
 
كذلك جنوب السودان المكتوية بالحرب الأهلية منذ سنوات، وليبيا التي باتت بين حكومتين وجيشين بفعل السياسات الأممية الناجعة، ولبنان والصومال، وأفغانستان، وإفريقيا الوسطى، والكونغو، وجواتيمالا...، كل هذه الدول وغيرها تبدو وجبات لذيذة لمستنقع الأوبئة الأممية كي تمارس مهامها على أكمل وجه؛ تارةً لتحقيق مآرب الدول الخمس، وتارة لرفد خزينتها بأموال طائلة تجنيها من وراء حملات مكافحة الأوبئة المفتعلة ومكافحة الجوع الذي يستشري نظير سياساتها التقدمية المكرسة لاستمرار الحروب في كل تدخل لها تزمع أنها ستُحِل على إثره السلام...!
 
أما هنا في بلادي، اليمن، فلتسألوا اليمنيين أيضا عما حققته الأمم المتحدة لهم؟ قرارات هلامية لم يتحقق منها بمقدار الحبر الذي كتبت به، ولم تزد على ذلك إلا أن استفادت من المحيط الغني لليمن كما يجب فاختلقت أوبئة بعيدة كل البعد عن البيئة اليمنية.
 
هل أتاكم نبأ الكوليرا؟ الداء الفتاك، الذي ما أن يدخل قرية إلا وأفرغها ممن فيها من البشر، هذه حقيقته، لكنه في اليمن لم يقتل سوى نحو2000 شخص قبل أن تعلن الأمم المتحدة أنها تمكنت من تكبيله إلى غير رجعة. ومع ذلك، وفجأة، يصرح مسؤولها عن أن ما حدث لم يكن سوى التهابات معوية حادة...!! ولكن بعد ماذا جاءت تلك التصريحات؟ بعد أن استفادوا ملايين الدولارات تحت مبرر مواجهة وباء الكوليرا...ا!
 
ثم حان الدور على الدفتيريا، وباء (الخناق) الذي يجتاح خمسة عشر محافظة يمنية بحسب إحصائيات أممية، ولا ندرِ حتى اللحظة ما يدور في الأروقة؟! وما الذي سيبنى عليه مواجهة هذا الداء الجديد؟!
 
العجيب أن هناك مليشيا تخنق اليمنيين منذ ثلاث سنوات، تقف المنظمة الدولية عاجزة أمام التعامل معها بجدية...! لم تفك حصار تعز المفروض منذ سنوات، ولم تستطع الاستجابة لنداءات الاستغاثة المتواصلة من هناك للمدنيين ولمرضى الأمراض الدائمة كالسرطان والفشل الكلوي والسكر وغيرها الكثير..، ذلك إنها تفلح فقط في اختراع الأوبئة واختلاق حملات تمويل مكافحتها، والتي تثير علامات استفهام كبيرة...!
 
هكذا، تتسلق منظمة الأمم المتحدة على حسابنا؛ تنفذ أجندة باطنة من خلال تحركاتها المعلنة، وليتها تكتفي بذلك بل تكرس جل جهدها لكل ما أنشئت من أجله حتى تتمه كما يجب، وما واقعنا الذي نعيشه من خلال تدخلاتها الموسومة بالغموض عنّا ببعيد.. فمتى نستفيق؟!
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر