بما أن اليمن يتميز بموقعه الاستراتيجي الهام، ومن ضمن الدول المطلة على البحر الأحمر الذي يمثل ممرًا تجاريًا عالميًا، تعبر منه السفن التجارية، والذي شكل منطقة صراع عالمية منذ القدم، وتمتد الجذور التاريخية لذلك منذ مر عليه الرومان والفرس والأحباش وصولًا إلى العثمانيين والإنجليز والأمريكان.
 
ولأهمية الموقع الجغرافي اليمني، وبخصوص المناطق الساحلية المحاذية للبحر الأحمر، ركز الاستعمار عينه على اليمن منذ العصور الغابرة في تاريخ بعيد، وذلك لميزة الجزر اليمنية في البحر الأحمر، التي تتميز بالارتفاع، مما تستطيع معه التحكم في الملاحة البحرية، والتي من أبرزها جزيرة حنيش الكبرى، وحنيش الصغرى، وفرسان، التابعة لليمن.
 
ويبرر المشروع العقيم لعصابة الحوثي المسيرة خارجيًا بضرب واستهداف السفن في البحر الأحمر، لإعادة تمدد القوى العالمية الكبرى والمتمثلة بالقوتين الأمريكية والإنجليزية، وإدخال القوات الدولية في هذا الممر الحيوي تحت مبرر حماية سفن التجارة العالمية، والذي يعكس مشروع حليفها الأكبر والمتمثل بإيران التي تلبس ثوب القدس والعداء لأمريكا، بينما تجعل من دول المنطقة وزعزعة استقرارها أوراقًا لتعزيز محادثاتها مع الغرب، وتحقيق مكاسب جيوسياسية واقتصادية بالتقاسم مع الغرب على حساب أشلاء ودماء فلسطين ودول المنطقة، وتمكين المشروع الأمريكي بالشرق الأوسط بصورة خفية وعلاقة غير مباشرة يدركها العقل التحليلي المتابع لتطور المستجدات في المشهد السياسي المعاصر.
 
ويثبت التاريخ السياسي اليمني بشواهد وأحداث زمنية ارتبطت أسباب وقوعها صلة بالبحر الأحمر، والتي منها احتلال القوات البريطانية مدينة عدن، عام 1838، وذلك بهدف قطع الطريق على محمد علي باشا الذي أسقط الدولة السعودية الأولى، متوجهًا نحو باب المندب بقصد التوجه إلى خليج عدن، وأخذ البحر الأحمر من أية مستوطنة استعمارية، وبذلك تم قطع الطريق عنه باحتلال بريطانيا عدن بهدف دعم مستعمراتها عن طريق البحر إلى الهند.
 
وتعود الفكرة الجوهرية وراء مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي عقب عقد مؤتمر البحر الأحمر في اليمن وفي السودان، وخطابه الشهير في مؤتمر دول عدم الانحياز، والذي صرح فيه بأن "على الدول الكبرى أن تتعامل مع دول العالم الثالث المطلة على البحر الأحمر بشكل عادل"، وبهذا الخطاب أخاف مراكز القوى العالمية المستفيدة من البحر الأحمر، وخططت للقضاء عليه.
 
وقبل إعلان بريطانيا الجلاء من الجنوب اليمني، طلبت إسرائيل منها أن تعمل على تدويل باب المندب تحت إشراف الأمم المتحدة، وفشلت هذه الخطة نتيجة رفض الأمين العام للجبهة القومية، ولجأت إسرائيل حينها إلى بناء قواعدها العسكرية في الجهة المقابلة على جزر إريتريا التي لم يتم استهدافها حاليًا من قبل الحوثيين، رغم قربها منهم.
 
ويثبت عدم مصداقية الحوثيين في محاربة إسرائيل، بل المساعدة في تقدم القوى الدولية عليه دون القدرة على حمايته بشكل فعلي وردع أي تمدد للقوات الإمبريالية العالمية عليه، وذلك لأنها مسيرة في تصرفها لإيهام الرأي العام المحلي والعربي بقوميتها العربية تجاه القضية الفلسطينية، وتخدم بذلك المصالح الأمريكية والبريطانية والفرنسية في قطع الممر التجاري عن الصين التي اكتسحت السوق العالمية والمنافسة الاقتصادية للدول العالمية الكبرى، بتعاملها الإنساني المجرد من التوحش الغربي في استغلال الدول المحدودة في دخلها الاقتصادي.
 
 ولم تكن جماعة الحوثي صادقة بأفعالها بقدر ما تخدم المصلحة الغربية، وليس لها أية قضية حقيقية تقاتل من أجلها في البحر الأحمر سوى الاستعراضات المزيفة، وتطويع عقول اليمنيين بدعايتها من أجل تحقيق أهدافها المضمرة في تثبيت أعمدتها السلطوية لفترة طويلة باسم الدفاع عن القداسة الوطنية التي دنستها بمشروعها الإجرامي ونهجها المافيوي بحق الشعب اليمني العريق الذي لا تمثل أصالته التليدة هذه الجماعة الديماغوجية بحكمها الشمولي ، وذلك بتاريخه النضالي والقومي الخالد، وتعود بناء الذاكرة السياسية إلى عام 1515م أثناء تقدم القوات البرتغالية إلى شواطئ عدن بقيادة البوكيرك، والتي تمت مقاومتها من قبل أبناء اليمن حينها، وفي حرب 1973م للصراع العربي الإسرائيلي أغلقت اليمن باب المندب لمنع السفن الإسرائيلية من العبور، مساندةً للقوات العربية في حربها مع إسرائيل.
 
وبما أن الحوثي يخدم المصالح الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، يستفيد الحوثيون من الضربات الأمريكية والبريطانية على مركز العاصمة صنعاء والأطراف القابعة تحت هيمنة سلطتهم السلالية، وذلك بإبراز حركة الحوثي صوريًا بأنها قوة مؤثرة وقائمة بمسؤولية العمل القومي، وبأنها تتبنى القضية الوطنية مدافعة عن هويتها الوطنية، رغم أنها بذلك تستخدمه شكليًا للحفاظ على البقاء والاستمرار في الحكم، وعزل الشعب اليمني عن حقوقه المشروعة، والذي يفتقد دولة الرعاية الصحية والاجتماعية في ظل حكم العصابة الحوثية التي لا تحمل رؤية مشروع تنموي، وقاصرة في تحقيق المواطنة المتساوية، والإرادة العامة، وهي بحاجة إلى اعتراف دولي بها كحاكم واقع دون أية مراعاة إنسانية بالضرر الذي سينجم عن التدخل الدولي في البحر الأحمر، وحرمان الشعب اليمني من ثرواته الثمينة وسيادته على الممر البحري العالمي.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر