رصُّوا الصفوف


سلمان الحميدي

قد يكون هناك بعض الحق لغير اليمني، إذا لامنا كيمنيين لسرعة تفاعلنا مع الأحداث التي تجري خارج بلادنا، كيمنيين نندمج مع أي حدث يأخذ طابع النصرة والتأييد وإن كان تافهاً، كدعم شخص في مواقع التواصل لا نعرفه. للائم غير اليمني، كل الحق إذا لم يكن مطلعاً على الأحداث التاريخية التي تساعده على فهم الإنسان اليمني: المعارك التأديبية التي وصلت باليمنيين إلى سمرقند قديماً، اليمنيون في السواحل الأفريقية، الساحل الأوساني هناك، النقوش المعينية في مصر، الآثار الباقية في الشام، انهيار سد مأرب العظيم وهجرة اليمنيين إلى الجزيرة العربية، الغساسنة والمناذرة وما تفرع منهما، رحلات التجارة إلى السند والهند وبلدان العالم القديم والحياة المنسوجة  بفضل ذلك، ثم المدد الذي جاء من خلف النبي لفتح البلدان التي أمامه بإرادة الله، الأندلس والبقاء هناك: الملك المعافري الذي صنع ربيع قرطبة.. اليمني يتصرف كأنه ابن الأرض وكل ما عليها يهمه.. أوه نسيت الصين..
 
قرأت مرة تفاصيل عجيبة في كتاب «خلاصة السير الجامعة لعجائب أخبار الملوك التتابعة» الكتاب من القرن السادس الهجري، ومؤلفه نشوان بن سعيد الحميري، التفاصيل التي تتحدث عن توطن اليمني في الخارج أذهلتني، وهو يتحدث عن شمر يهرعش وسيره إلى بلاد الصين، يقول الحميري: «وتناثر من جنوده ثلاثون ألفا فوقعوا في أرض فيها الشجر والماء والنخيل وهي بلاد التبت التي يجلب منها المسك، فتملكوها وتوطنوها، وبعدت منهم أرض اليمن، فسكنوا بها إلى اليوم، فزيهم زي العرب، وأخلاقهم أخلاق العرب، ولهم ملك قائم بنفسه منهم، وهم معترفون أنهم من العرب من اليمن، وهم يحبون العرب حبا شديدا» حين قرأت ذلك، اعتبرتها شطحة حتى سمعت ذات يوم عن مراسل الجزيرة في الصين حديثه عن دراسة صينية حديثة تؤكد أن سكان التبت أصولهم يمنية.
 
لا ينشغل اليمني بإثبات أن كل أرجاء الأرض فيها شيئاً من روحه. أكثرهم لا يقرؤون التاريخ ولا يعرفون ما فعله الأولون، كما لا يعرفون سر تفاعلهم الإنساني مع حدث في العالم وإن كان افتراضياً، لا أعرف.. ربما خلق الله الأرض ثم خلق آدم من تراب اليمن ومائها..  روح اليمني في كل العالم عدا في الأراضي المحتلة المسماة إسرائيل، كدت أقول ذلك، ثم تذكرت يهود اليمن هناك وقد نقلوا الزي اليمني والأغاني اليمنية وزرعوا القات في أحواش منازلهم المبنية بطراز يمني على أرض مغتصبة، ليست يمنية.
 
هل نتفاعل مع العالم.. لأننا ممزقون على بقاعه!.
لغير اليمني أن يلوم تفاعلنا مع العالم، رغم أن العالم لا يتفاعل مع آلامنا الأشد قسوة.
للعربي واليمني الغريب عن أصله كذلك، أن يلوم الجماهير الافتراضية على تفاعلها مع حدث تافه بعيد كل البعد عن واقعنا اليمني.
 
غير أن ما يثير الغرابة، هو أن أشخاصًا يقولون أنهم يمنيون، يلومون اليمنيين على انغماسهم مع الأحداث في غزة/ فلسطين، يقولون: لماذا تفعلون ذلك ونحن نعيش حرباً مثلهم...؟.
 
فلسطين قضيتنا الأم.. ولدنا وكانت أمامنا، ترعرعت معنا.. عرفناها قبل أن نعرف الحوثيين الطارئين على البلاد..
وأعتقد بأن لا أحد يملك الحق، يمني أو غير يمني، أن يلقي بلومه على هذا الموقف..
 
الأكثر إثارة للسخط من اللائمين على الاصطفاف الجماهير مع فلسطين، هم أولئك الذين يلومون ما فعله ويفعله الفلسطينيون.. أشخاص مقززون يعيشون بيننا، يرون اصطفاف الدول المتحضرة في جانب الكيان، والدعم اللامحدود بالأسلحة المتطورة وتأليب الرأي بتزييف الحقائق، وتكالبهم على فلسطين وأبناء غزة، هؤلاء الأشخاص يصرون على الاصطفاف، ولو بحياء، مع الاحتلال..
 
يسمعون مواقف الدول المتحضرة ذات الأطماع الاستعمارية، ويرون الحكام والمعارضة، المدنيين والعسكريين، المتطرفين والمتشددين، وسائل الإعلام والتنديدات، توجيهات وأوامر، محاربة المشاهير المؤثرين وشن هجمات عليهم، محاربة حرية الرأي والتعبير حين يتعلق الأمر بفلسطين، هذه السياسة التي ينتهجها الاحتلال وأعوانه من دول كبرى وكيانات.. وأنت مازلت مصر على الوقوف معهم لأن لديك حساسية تجاه المقاومة الفلسطينية.
 
تحسس منهم كيفما شئت واكرههم إن شئت، ولكن لا تصطف مع أي غريب يقتلهم.. أنت تسلم رأسك لعدوك بفعل كهذا. ثم إنهم لن يرضوا عنك مهما فعلت، اقرأ كتاب: مثقفون مزيفون، لتعرف كيف يتعاملون معك إن كنت تتبنى موقفهم ولكنك تحمل اسماً عربياً.. ما دمت تحمل الاسم العربي، فهم يرونك مسلماً إرهابياً وإن كنت ملحداً وتسير في ركبهم ممجداً، هذا ما يشير إليه الكتاب..
 
كما يصطف العدو وأعوانه على أبناء غزة، دعنا نصطف للتخلص من العدو.. ثم.. لنخض معاركنا فيما بعد بشرف كما تقتضي المروءة التي عاشت بين العرب قديماً!.
رصوا الصفوف.. وحدوا الصوت..

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر