القائد اليمني المنتظر


عبد الله شروح

 في آخر الزمان يعود الإله "تموز" من عالم الموتى ليخصب "عشتار" ويجلب معه الربيع وتجدُّد الحياة، ادّعى السومريون. 
بعد انتشار الظلم والجور على الأرض سيأتي الإله "مردوخ" من بين الأموات لينشر العدل والسلام في دولته، ادّعى البابليون. 

على رأس كل ألف عام سيظهر المخلّص واسمه "سوشيانت" ومهمته هي نصرة إله الخير "أهورامزدا" لنشر العدل والسلام ومجابهة إله الشر "أهريمان"، تقول الزرادشتية.

في آخر الزمان سيظهر المخلّص "فيدا" لينشر العدل والمساواة بين البشر، تقول البوذية.

سيأتي المخلّص لينقذ بني إسرائيل من الظلم والجور والأسر والاستعباد ويحقق لليهود حلم إقامة دولتهم التي تنتهي بها دورة التاريخ البشري وتبتدئ مملكة السماء والنعيم التي يكون فيها الأغيار عبيداً وخاضعين لليهود، تزعم اليهودية.

في آخر الزمان سيعود المسيح نفسه ويقيم يوم الدينونة، وحكم الرب وانتهاء التاريخ البشري وابتداء مملكة السماء، تقول المسيحية.

في آخر الزمان سيظهر "المهدي المنتظَر"، من نسل النبي محمد وينتصر على المسيخ الدجال ويملأ الأرض عدلاً، يقول المسلمون السُنّة. 

المهدي المنتظَر سيظهر حصراً من نسل الحسين بن علي، وهو الإمام الثاني عشر الذي ولد أصلاً سنة 255 للهجرة، محمد ابن الحسن العسكري، ولحكمة لا يعلمها إلا الله،  اختفى في سرداب سيخرج منه في آخر الزمان بعد تحقق أسباب الظهور، تقول الشيعة. 

حسناً، يبين لنا المسرود أعلاه أن هنالك إدراكاً عميقاً في العقل الكلي لكبريات الحضارات والأديان لحقيقة أن أزماناً سيئة ستتلو أزمان المجد، ولتطمين مواطني ومعتنقي هذه الحضارات والأديان لم يجد هذا العقل سوى تبشيرهم بأن الأمور مهما ساءت فإن الانتصار والتمكين هو النهاية الحتمية، وأن القرار في ذلك ليس شأناً أرضياً بل سماوياً، ففي لحظة ما، أكثر اللحظات سوءاً، سينبعث المخلّص ويعيد مجد الحضارة والديانة مختتماً دورة الحياة بنهاية سعيدة تخص الحضارة أو الديانة المقصودة! 

وهذا هو الجذر الفلسفي التاريخي الذي نبتت منه السينما البسيطة والمريحة حيث يكتسح الخراب الكبير بلاداً هانئة ومستقرة، صافعاً أهلها بموجة هائلة من الذعر اليائس، وفجأة، في أوج هذا الانحطاط، ينبعث بطل خارق يعيد بأدائه الإعجازي البلاد إلى استقرارها المعهود وينتهي الفيلم بابتسامة جماعية يشرق منها نعيم دائم. 

هذه الخرافة، التي لم تخلُ منها أي حضارة أو ديانة كبرى كما ترون، خرافة المخلِّص، المهدي المنتظَر، بدلاً من أن تؤدي وظيفتها التي أرادها لها العقل الذي ابتدعها_ إذا ما جاز لنا افتراض سلامة طويّته_ بأن تعمل على إبقاء الأمل في النفوس بأكثر اللحظات سوءاً واستحقاقاً لليأس، فإنها تجاوزت ذلك إلى صناعة نوع من التواكل البليد والاستعداد اللا محدود للخضوع لأي مشعوذ يقود الجميع إلى مهاوٍ أكثر ظلاماً وسوءاً.

وهذه الخرافة لا تتواجد فقط في هذا الإطار اللاهوتي الشامل بل وأيضاً في النطاقات الأكثر تحديداً. فمثلاً في ما يتعلق بواقعنا اليمني اليوم فلا تكاد تجد أحداً لا يضع على رأس قائمة أسباب جحيمنا الراهن، الجحيم المستدام منذ قرون، غياب القائد الوطني المثالي.

جميعنا لا يجد في ذروة إحباطه من مهدئ سوى إرسال بصره إلى الأفق البعيد، متسائلاً بنظرة ملؤها الرجاء: ألم يئن الوقت الذي يطل فيه على ظلامنا قائدنا الشمس، الرجل اليمني المثالي، الأب الكلي لقوميتنا المستباحة، الذي يمتلك ما يكفي من القلب للإحساس بآلام كل منا، وما يكفي من الكاهل ليحملنا جميعاً، وما يكفي من العقل ليحل كل إشكالاتنا، وما يكفي من الشجاعة ليجابه كل أعدائنا، وما يكفي من النزاهة والمسؤولية ليكون آخر من يتذوق النعيم الذي سيحل علينا بفعل أدائه الاستثنائي؟!

على هذا النحو، وحتى في النطاقات الأكثر تحديداً من النطاق القومي، ينتظر جميعنا مهديه المُنتظَر الخاص: متى يخرج مخلّصه المحبوس في سرداب أحلامه؟! وننسى أو نتناسى في واقع إحباطنا هذا أن نتحسس هل ما زال لدينا من العقل ما يكفي لإدراك أن هذا لن يتحقق بهذه الطريقة، وأن القائد القومي المنشود ليس رجلاً بقدرات إله ينبعث من رحم الغيب، منبتّاً عن واقع مجتمعه وناسه، وأنه رجل يأتي بشكل طبيعي كحصيلة لاستعداد مجتمعي عام، كنتيجة منطقية لتطور كلي على صعيد الفكرة والبذل، وأنه لن يأتي ما دام كل واحد منا ينتظر متى يشرق عليه من خارج ذاته. 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر