تنطوي مذكرات الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني بأجزائها الثلاثة المكتنزة بالصور والوثائق، أبيات من الشعر تظهر فيها جزء كبير من شخصيته وثقافته الدينية والأدبية المتصلة بالتراث العربي، وأفق واسعة في الثقافة السياسية التي كانت سائدة في عصر الايدولوجيات والاقطاب العالمية.
 
يحيط نفسه وحياته بجو الأدب أينما كان وأينما ذهب، يستنشد الأبيات والقصائد في كثير من الاحاسيس والانفعالات يكون غذاء يشبع الروح يعبر بها عن واقعه النفسي بالرأي والتعليق بالسؤال والاستماع أو حمل أغراضه، يطلبها من ثقافته الغزيرة وذاكرته المختزنة الأبيات والقصائد من الشعر العربي ورواياتها لا يفرق بين قديمه وحديثه.
 
ومن أحسن ما تنفس به بيتاً شعرياً، عند سماعه إعلان قيام الجمهورية "واستعرضت عيناي لحظتها مواكب الشهداء من ٤٨الى٦١ وتخيلت أرواحهم ترفرف على أجواء اليمن، فلم أملك عيني، وأنشدت قول حافظ ابراهيم:
لأول مرة قد ذاق جفني
على ما ذاقه دمع السرور.
 
كان من نتائج قمة الخرطوم العربية عام 1967، انبثاق اللجنة الثلاثية من دبلوماسيين عرب التي بموجبها يتم سحب القوات المصرية ووقف الدعم السعودي للملكيين خلال ثلاثة أشهر ليتم استفتاء تقرير نوع الحكم.
 
وكانت بيانات اللجنة ووفودها إلى صنعاء وتعز في عام 68 تظهر تحيزها إلى المعسكر الملكي الامامي- وهو يفرض حصاره المطبق على صنعاء بالهجمات على الاحياء السكنية.
 
يقول "عبثاً حاولنا افهام اللجنة ان الاولى بنصائحهم هم المعتدون علينا كما ان الأجدر بنا ان نقول لهم:
علام تلومون الجريح على البكُاء
أما كان أولى ان تلوموا يد الجاني.
 
الكويت الدولة الخليجية الوحيدة حينها التي اعترفت بالنظام الجمهوري في سنواته الاولى، ولم يمنعها ذلك من السعي الحثيث لوقف الصراع، واغتنم الارياني في مؤتمر القمة الاسلامي بالرباط عام 1969 الاتصال ببعض الزعماء المؤثرين لدى السعودية.
 
وفي رسالته لأمير الكويت صباح السالم كوسيط، يثبت القاضي الإرياني للتحدي مع الملك فيصل في اقتحام المهالك من أجل الانتصار للنظام الجمهوري، رغم ان الرجل يقود من بداية الثورة تيارٍ يتوارى بخطاب السلام وحقن الدماء والاحتفاظ بالعلاقة مع دولة الجوار.
إذا لم تكن الا الأسنة مركب
فما حيلة المضطر الا ركوبها.
 
ولمَّا يعجب بفطنة وكفاءة أحد الشباب المثقفين ويتوسم فيه اسناده منصب يليق بقدراته في التجديد والعمل، تنبري أمامه المعارضة بقول (لا)، بدافع الغيرة أو الطائفية المقيتة، فيجد بيتاً من الشعر يستنطق بها عن الشاب وما يحز في نفسه من سوء الحظ يكون تمثله بذلك:
لئن علاني من دوني فلا عجب
لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحلٍ.
 
 
فاذا ما انتابه الحزن على رحيل الرعيل الأول من رفاقه في العمل الوطني، ولمس في نفسه حسرة العجز بالمسؤولية وهو رئيس أمام جيل شاب صاعد للمسؤولية يريد تطويع اهتماماته وفرضها يجد بيت شعري يحمل غرضه النفسي:
إذا ما مضى الجيل الذي أنت منهم
وخلقت في جيل فأنت فيه غريبُ.
 
داخل قصر الحمراء غرناطة الاندلس، رأى حضارة العرب ومرابط خيولهم وبقايا آثارهم من فنون وهندسة معمارية حضارية، تمثّل حتماً ببيت شعر فاجع لفقدان الاوطان، وهو قول الشاعر مضاض بن عمرو اليمني:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا
صروف الليالي والجدود العواثر.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر