متى تنتهي مهزلة الانقسام النقدي؟


وفيق صالح

 ربما لم تتعرض عملة بلد ما بالعالم، مثل ما تعرضت له العملة الوطنية (الريال) من ضغوطات كبيرة، ومخاطر حقيقية، سلبت الريال سيادته، داخل مناطق الجمهورية اليمنية، وفتحت الأبواب مشرعة أمام انتشار ظاهرة التعامل والتداول بعملات أجنبية، ذات ثقل إقليمي وعالمي.
 
بدأت أزمة الريال اليمني، أو العملة الوطنية، مع بداية الحرب، ومن خلال سيطرة الحوثيين، على البنك المركزي اليمني، بصنعاء، وتآكل الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية، والمقدر بقرابة خمسة مليارات دولار، إضافة إلى تشتت عائدات البنوك اليمنية، المستثمرة كأذون خزانة بالبنك المركزي اليمني، بالعملة المحلية، الأمر الذي أدى إلى تآكل أصول القطاع البنكي، عجزت معه البنوك التجارية والمصارف، عن الإيفاء بالتزاماتها المالية أمام العملاء والمودعين.
 
على أن الضربة الأكثر إيلاماً الذي تعرضت لها العملة المحلية، بدأت في أواخر العام 2019، مع اتخاذ الحوثيين، قراراً بحظر نهائي للطبعة الجديدة من العملة المحلية، والتي طبعتها الحكومة الشرعية، على عدة مراحل، وعقب نقل البنك المركزي اليمني، إلى العاصمة المؤقتة عدن، ثم اتبعت جماعة الحوثي، قرار الحظر بمناطق سيطرتها بتنفيذ حملات أمنية واسعة، لمنع عملية التداول بشكل نهائي، وجرى مصادرة كميات كبيرة منها على المواطنين والصرافين، والمحلات التجارية.
 
دخلت البلاد بعدها في أتون حرب اقتصادية قذرة، عمقت من أزمة العملة الوطنية، وتعاظمت التحديات التي تواجه الاقتصاد اليمني، والقطاع المصرفي، وأفرزت عملية الانقسام وازدواجيه القرارات أمام القطاع المصرفي، قيمتين مختلفتين لعملة واحدة، فضلا عن اتساع الفجوة في قيمة الريال، بين الطبعة الجديدة والقديمة، وارتفاع عمولة التحويلات النقدية والمالية، من مناطق الحكومة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، بشكل قياسي، متجاوزةً نسبة 100%.
 
سلبت عملية الانقسام النقدي والمصرفي الحاصل في البلاد، آخر ما تبقى من رمز سيادي يربط اليمن الموحد، وهو العملة اليمنية، إضافة إلى التداعيات الأخرى، في ارتفاع منسوب التضخم بأسعار السلع والخدمات والمواد الغذائية، وارتفاع كلفة الإنتاج والاستهلاك بكافة القطاعات الإنتاجية والاقتصادية، ناهيك عن انتشار ظاهرة الدولرة، ولجوء التجار والمواطنين إلى استخدام الدولار والريال السعودي، في التعاملات التجارية، بين المحافظات اليمنية، وفي الحوالات النقدية المحلية.
 
كما خلّفت عملية الانقسام النقدي والمصرفي، وحظر الفئات النقدية الجديدة من العملة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وتفاوت أسعار الصرف، أضرارًا فادحة على التعاملات المالية، والتداول النقدي في البلاد بشكل عام، تاركةً صعوبات ومعوقات كثيرة أمام المواطن اليمني، الأمر الذي دفع بالكثير من الاقتصاديين، بوصفها حرب تستهدف العملة الوطنية، والاقتصاد الوطني، وتقضي على مدخرات المواطنين من النقد الأجنبي.
 
ساهمت مهزلة الانقسام المصرفي، في توسع ظاهرة انتشار السوق الموازية للمضاربة بالعملة، سواء النقد الأجنبي أو المحلي، بشقيها من الطبعتين القديمة والجديدة، وفقد معه القطاع المصرفي الرسمي، جزء كبير من النشاط المالي، فضلاً عن تزايد ظاهرة إحلال النقد الأجنبي في التعاملات المالية والتجارية، بين المواطنين، وهي ظاهرة خطيرة، تسير في طريق أحادي الاتجاه، تقود للقضاء على العملة المحلية، فالنقص في وسائل الدفع المحلية المستقرة تحفز الرغبة لدى التجار وأرباب الأنشطة التجارية والاقتصادية، إلى  استخدام النقد الأجنبي، كوسيلة للدفع المحلي، وبناءاً عليه، يتم تحديد قوائم أسعار السلع والغذاء والخدمات.
 
مرت فترة طويلة، عن مهزلة الانقسام واتساع الفجوة بين الطبعة الجديدة والقديمة من العملة المحلية، ارتفعت معها نسبة عمولة الحوالات النقدية محلياً إلى أكثر من 100%، وماتزال الحلول والتحركات غائبة لمعالجة هذا الملف، الذي أنهك المواطن، وفاقم من المشكلات والتحديات التي تواجه الاقتصاد اليمني.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر