شخصية البطل


سلمان الحميدي

 إذا رأيت الناس مشتتون، غارقون في المشاكل، وصراخهم يرتفع ولكنه لا يصل إلى أذن، وكلما تفاقمت مأساتهم أعرض العالم عنها وبدت تافهة في عينه، وتلاطمت في أوساطهم المصائب، واستثمر الأوغاد فيها، ورأيت الذمم والضمائر تعرضان كسلع في سوق الحراج، فاعلم أنهم يفتقرون إلى قائد يحمل صفات البطولة الحقيقية.
 
يقول كارليل: «تظل الشعوب نائمة حتى يوقظها بطل وتظل الشعوب ضالة حتى يهديها بطل». والقصد هنا، هو القائد الذي يقوم بعملية تغيير جذرية تلتمسها الجماهير، لكن البطولة لا تتوقف عند شخصية هذا النوع من القيادات.
 
في المعاجم، ستجد البطل بين البطالة والباطل والأباطيل، وهذه حكمة لغوية جادت بها اللغة لا اللغويون، الشجاع يواجه كل ذلك ويُبطلها ومن هنا سُمي.
 
في لسان العرب: «البطل: الشجاع».. «ورجل بطل بين البطالة والبطولة، شجاع تبطل جراحته فلا يكترث لها».. «وقيل إنما سمي بطلاً لأنه يبطل العظائم بسيفه فيبهرجها» «وقيل: سمي بطلاً لأن الأشداء يبطلون عنده».
 
يرتبط تعريف البطولة قديماً، بالإقدام في الحرب، البطل من يعش لقضية نبيلة ويتكمن من لملمة الناس حوله أو يتبنى قضاياهم، لا يأبه بمن يواجههم ولا بأساليبهم ولا بالعتاد الذي يملكونه والحيل التي ينسجونها، هو بطل سواءً انتصر لما أظهره أو لا، كان مجموعة أو شخصًا.
 
لكن التعريف يخضع لتحديثات بتعاقب العقود فالسعي لتغيير الوضع المتردي بطولة، مواجهة الباطل أياً كان وبأي وسيلة بطولة، تشبثك بالحق بطولة، مواجهة لباطل ما بالكلمة أو بغيرها، عرفك الناس أم لا، بطولة. البطل يندفع لا إراديا للقضية النبيلة، يسعى ليبطل عظائم الباطل وأباطيله دون خوف.
 
الشهيد الذي يواجه بواطل الخصم، بطلاً، حتى لو لم تهتف له الجماهير.. الزعيم الذي يواجه المخاطر المحدقة ببلاده وأمته دون الرضوخ لإملاءات المتدخلين وأجنداتهم، هو بطل.. المسؤول الذي يقود تغييراً فارقاً من التردي إلى التقدم، هو بطل. الكاتب الذي يفضح مصائب الأشرار وفسادهم دون خوف من العواقب، هو بطل أيضاً.
 
أما من يعمل العكس فهو دنئ ولا يمكن أن يكون بطلاً حتى وإن كان شجاعاً، حتى المتحمسين لهتلر ـ مثلاً ـ سيجدون مضاضة وحرجاً إن تحدثوا عنه كبطل.
 
**
كيمنيين نفتقد لذلك البطل الذي تحدث عنه كارليل،  بطل جماهيري يوازي تضحيات الأبطال الذين يواجهون المليشيا، أولئك الذي استشهدوا وعرفناهم أو لم نعرفهم، أو الصامدين الذين سمعنا بهم أو لم نسمع بهم.
 
**
كعرب، ومسلمين، كانت فلسطين بطولتنا.. كانت البلاد البطلة التي نلتف حولها كجماهير، نغضب لما يحدث بها، نتابع تفاصيل أبطالها ونتناقلها، فقدنا أمل البطولة في الزعامات، فاحتشدنا خلف الأحداث والشجعان.. انغرست القضية في أذهاننا، وفي آخر عشر سنوات تقريباً، انشغلنا بأنفسنا، تهنا بمشاكلنا، افتقرنا حتى للزعيم الجماهيري الذي يخلق البطولة من نبرات الخطابات.
شيرين أبو عاقلة، البطلة التي أعادت حشد عواطفنا كعرب، ومسلمين، وأحرار من العالم كله..
 
**
وفي كل وقت يظهر أدعياء البطولة بحثاً عن الجماهيرية فقط. هذا النوع يظهر عند الفئة الناعمة التي تتجنب مواجهة الباطل مباشرةً، منهم أبطالاً افتراضيين. إذا أشكل عليك الأمر في معرفة البطل المزيف، فإليك نبذة عنه: يدعي البطولة لنفسه، يستدعي الجماهير بموضوع سفيه أو قضية تافهة. يستجدي المديح ويتسول الثناء. يرى البطولة في كل شيء يقوم به أو يقوله: من أول نومه إلى آخر يقظته، مشيته وزياراته، قعوده وقيامه، جده ومزحه. لا يدور حول القضية النبيلة، بل حول السفاسف التي تدور حول القضية. البطل المزيف يريد منك أن تقول عنه بأنه بطلًا. يتمسك  بجزئية تصنع الجدل كما تمسك العجوز بالطفل اللص. يأخذ من الجمهور ما يسلط الضوء عليه، ولا يتفاعل معهم لأنه يرى ذلك انتقاصاً من شخصيته كبطل؛ هنا يتموضع هذا النوع من الأبطال الزائفين.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر