موت من أجل الحياة


سلمان الحميدي

 لو اجتمع القرد والحمامة على غصني شجرة واحدة، لن يجذب الناس وداعة الحمامة، وستُسَمَّر أنظارهم تجاه الحركات البهلوانية للقرد.

مات الطبيب والمخترع اليمني خالد نشوان متأثرا بفايروس كورونا، بينما يظهر عبدالملك الحوثي كزعيم ملشياوي يتحدى الآخرين من الوصول إليه، يضحك ملء شدقيه، لا يصل إليه مرض ولا تصل إليه شظية، إذا كانت خالته لا تستطيع الوصول إليه فكيف بهؤلاء!.
 
هذا هو الفرق بين خادم المجتمع في سبيل الحياة، وبين من يقاتل كي يخدمه المجتمع لمشروعه المميت والمدمر.
 
اخترع نشوان جهاز "نشوان باراسوند" لتوسيع الشرايين بلا عمليات جراحية وحاز على عشرات الجوائز الدولية، وأنعش حياة الناس، واخترع الحوثي كل أصناف الدمار وسلع الموت للقضاء على اليمنيين..
 
يؤمن عبدالملك الحوثي، أن الفايروس المجهري لن يجد الطريق إلى الكهف المموه بالجنادل والقلاع، فهو لا يخالط حتى مقربيه ويمضي بمشروعه قدماً لاستعباد الرعية وجلب قوتهم ومصادرة أرزاقهم من وراء حجار، إذ يلقي الأوامر على رؤوس أنصاره بعدما يتلقاها من "ايرلو"، وهكذا يقتل الآلاف ويظهر مبتسما ومنبهرا بالكروما عند بث كل خطاب، فالنظريات والأوهام والتخاريف تقنعه بأنه آخر من سيموت حتى وإن فنيت البشرية كلها في سبيل حلمه في جزيرة العرب..
 
لا يلتقي عبدالملك بأحد، منتبذا بكهف قصي في جبل، أَنّى له أن يصاب بفايروس.
 
بل المضحك في الزعيم الملشاوي، أنه يدعو أنصاره للاستجابة للأوامر الإلهية وعدم الاستماع إلى التعاليم والإجراءات الاحترازية للوقاية من كورونا، هذا مؤامرة صهيوامريكية في نظره، والغريب أن يأتي هذا التصريح على لسان وزير صحته باجتماع رفيع.
 
ثم إنه هو ذاته، من يوجه رؤوس مجاميعه المسلحة لتقتل من؟ وتنهب عمارة من؟ ويحدد لهم أماكن زراعة الألغام؟
 
حتى في توجيهاته هذه، تتم عن بعد من قبله كمخلص بمشروع "الموت"
وبمشروعه الضخم هذا، لا يتنازل عن مخالطة ضحاياه حتى في لحظاتهم الأخيرة.
 
وعلى هذا، فعبدالملك لن يصاب حتى بالزكام، هو يظن أنه مخلد، سيرتاح من كوابيس ضحاياه في يوم ما..
أما خالد نشوان، فالغالبية لم يسمع به إلا عند وفاته، فقد كان حريصا على خدمة اليمنيين، بل خدمة البشرية كلها، ونال براءة اختراع على جهاز "نشوان باراسوند" وقلده الاتحاد العالمي للمخترعين "وسام فارس المخترعين" لعام 2006 في بودابست..
 
الدكتور المخترع، يخالط الناس، يربت على أوجاعهم، يهدئ من روعهم، يعيش كواحد منهم غير مغرور باختراعاته أو متكبر بمرتبته العلمية. الشهادات والنياشين المحيطة به تجعله مختلف بالفعل، ومع ذلك لم يقل بأن الله اصطفاه على اليمنيين، لم يقل أنه من سلالة مقدسة تملك الحق الإلهي للتحكم برقاب الخلق، لم يعتزل الناس أو يسافر مع النوارس إلى الخارج، لم يقل أنا اخترعت وأنا فعلت وأنا بحاجة. لقد ظل الدكتور يمارس مهنته وينفع المجتمع.
 
كان نشوان يزرع في الأنفس معنى الحياة حتى مات، لم يرسل أنصاره ليزرعوا الألغام ليحصد الأنفس ويعيش هو.
 
هذه هي الخلاصة بين اليمني الأصيل، وبين اليمني الدعي، بين القيادي الحقيقي وبين القيادي الزائف، بين الحياة والموت، وبكل تأكيد، نشوان ومثل نشوان هم الحياة..
 
**
عندما تطير الحمامة، سيمل الناس من القرد
كم أشحنا عن جمال الحياة الملفوف بصوت الهديل، أشغلنا القرد الملعون بمعاركه الطاحنة!.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر