متعة الخوف..!


نور ناجي

 أحدث صرير الباب والدعسات الخفيفة التي لحقته ضجة كبيرة، إلا أن الفتاة الصغيرة تجاهلتها وابقت حدقاتها مغمضة، حتى شعرت بمن يشاركها السرير ويلقى ذراعه حولها قبل أن يقبض على كفها الصغير، "هل هذه أنتِ يا نيل؟!"، طرحت الفتاة السؤال دون أن تتلقى إجابة، فاستدارت لتتفاجأ بكفها وبالغرفة الرمادية فارغين إلا منها ومن ظلال الرقصة المخيفة للستائر!..
 
أنتهى المشهد..
 
لم اتسائل، بعد قيام الحرب، عن السبب الذي جعلني أغير عادتي من قراءة روايات الرعب الى مشاهدتها؟.. ربما شعرت باحتياجي لجرعة رعب تتجاوز الرأفة التي يمتع بها خيالي، أو أني حاولت مجاراة ما يطرحه الواقع من قسوة. قد يكون تحليل الانسان لتصرفاته أصعب لغز قد يواجهه!..
 
اثبتت العديد من الدراسات العلمية، زيادة  نشاط الدماغ البشري أثناء مشاهدته أفلام الرعب، خاصة تلك المناطق المرتبطة بغريزة البقاء والمحفزة على إنتاج ما يشبه هرمون "الادرنالين"، تركيباً وفاعلية، ذات الحالة التي تفرزها ادمغة القطط لحظة تحرير "حبل عادي"، عقدة خوفها الكامنة فيها منذ ملايين السنين  تجاه الثعابين!!..
 
لا نختلف كثيراً عن القطط، حتى بعد اكتشافنا بأن الخطر يكمن في مقدار ما نجهل. مازال البشري الأول فينا يربض في كهفه، مراقبا الظلام، دون أن يعفيه جلدنا المتحضر من مخاوف، هواجس، محاذير، غير مبررة حتى يجد في أفلام الرعب وسيلة لاكتشاف ما تخفي تلك العتمة وحقيقة هسهساتها..
 
إلا أن ذلك لا يفسر مشاعر افتتان الانسان بالخوف، ومحاولة ابقاءه بذات المستوى، ابتداء من تمسكه صغيراً بحكايات الجدات، وصولا إلى حالة تعاطف غريبة قد تصيب غالبية "المشاهدين" تجاه الجلاد أمام ضحيته البريئة!..
 
لا شك بأن كاريزما الممثل وجودة اداءه، قد تخل بعض الشيء بمقاييس مبادىء وقيم انسانية متعارف عليها، إلا أن الأمر لن يخرج عن كونه تعاطف مؤقت أمام احداث غير حقيقية.. نقول بثقة، حتى نجد أنفسنا نتسائل أمام الشاشة: إن كان مذاق الضحية شهياً كما بدى على ملامح الطبيب "هانيبال" في فيلم "صمت الحملان"، أم ان علينا إضافة بعض البهارات عليها؟!..
 
هل تزيد أفلام الرعب حالات العنف فعلياً، أم ان وجودها منح الكثيرين فرصة انجاز مهمة، كان ليمسي- في بقائها محبوسة فينا- تداعيات خطيرة؟!..
 
ربما عشقنا "باتمان" في صغرنا، قبل أن يتحول إلى شخص بغيظ، يستفزنا مجرد ظهوره على الشاشة. لعل المميزات التي حظي بها كانت سببا لتشويش رؤيتنا، قبل الاعتراف بحاجتنا لبطل بمواصفات مناسبة لنا، فكيف لمن عاش حياة مرفهة، لم يعرف فيها معنى المعاناة، أن يكون نصيراً محتملاً؟ على الأغلب أن افعاله لن تتجاوز كونها دعاية سمجة، أو ترفية مدلل !..
 
يحدث أن تحتاج لاستخدام العنف بالقدر الذي يبقي عيناك مفتوحتان على مداها‏ للاستمتاع بتذوق الضحية، أي ضحية، لا ضرورة كونها عدو بالنسبة لك، يكفي شغف حصولك على انتقام لا عواقب له، كما عجزت مسبقا عن القيام به!..
 
لا تحب الغالبية المضطهدة تعاطف من القاتل، بقدر ما تود تنفيذ انتقامها من خلاله، وهذا ما وجدته في شخصية "الجوكر"!..
 
لعشرة مواسم، مازال مخرجي مسلسل "الموتى السائرون" في حيرة ايجاد نهاية تحترم عقل المشاهد، وتهرب- في ذات الوقت- من التساؤل الذي وضعته الحلقات عن أكثر  الكائنات خطورة على سطح الكوكب!. ربما يفيدهم اللجوء لاستثمار ذات الصراع في مواسم أقل جودة ومستوى، إلا أنه لن يعفيهم في النهاية من قول الحقيقة مجردة: "نحن الأكثر خطورة على هذا الكوكب"!..
 
لعلنا في نهاية الأمر لا نتمكن من تحديد كافة الأسباب التي تجعل البعض يعشق أفلام الرعب. لكل فرد ما يحركه، وربما يحمل أحدنا كافة المعطيات التي تجعل من الخوف متعة وشغف. لذلك سيكون من الاجدى التوقف عن طرح الأسئلة، والاكتفاء بأمنيات مشاهدة مرعبة للجميع.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر