الحية التي لدغت الراقص


سلمان الحميدي

النهاية المأساوية التي مُنيَ بها الزعيم صالح، تعلمنا درساً بالغ القسوة: الإغترار بالقوة لا يقي المصرع السوء. حتى أشد الناس خصومة مع علي صالح لم يتخيل المشهد المؤلم للرجل الداهية، الزعيم المشبع بالخبرة، الحاكم المولع بتفاصيل المشاكل وتفصيل مقاساتها على امتداد ثلاثة عقود ونيف. 
 

كان صالح كبيرا في رؤوس المواطنين، وخطيرا عند رجال الأحزاب، لقد عرف كيف يبني مجده، وامتلك من الحذق ما يكفي لمراوغة المجتمع الدولي، كنا نسمعه عندما يلقي خطاباً في قمة ما، وبعصبية وطنية نمنح خطابه شهادة أفضل خطاب كما لو كنا لجنة تحكيم، وبعد عودته بقليل تهتف الحناجر التي شهدت له بفضل الخطاب، تهتف ضد السياسة الاقتصادية لحكومته التي يلاعبهم بها. 

 

على امتداد ثلاثة عقود، امتلك الثروة والقوة والبنية الجسمانية أيضاً.. ثلاثة عقود وجزء من الرابع، ملأته خبرة في الناس والأماكن، بالشيوخ والرعية، برجال الأحزاب وزعماء العصابات، الرجل الذي أتى ليحكم مؤقتاً حتى يتسنى للبلاد اختيار رجل يديرها بعد حقبة كانت تغرق فيها "الكرسي" بالدم كلما وصل لها رئيس؛ بدهاء يحير الألباب، أوقف صالح سلسال الدم الذي كان يغرق الكرسي، اختصر سياسة صموده الطويل بتشبيه حمّال أوجه: الرقص على رؤوس الثعابين. 

 

راقص الأحزاب يساراً ويمينا، لاعب القبيلة ورجال الدين، ضحك على الساحل وانتشى في الجبل، هذا المتين يصنع القوة من المتناقضات، حتى عندما بدا أن الثورة جردته من قوة المنصب، كنا نعرف أنه ما زال الأقوى، ما لملمه طيلة ثلاث وثلاثين سنة يؤكد ذلك. 

 

هذا الخارق لن يستسلم ببساطة حتى وإن ابتعد عن الكرسي، شعور مهين أن تسلم ما تؤمن أنه حقك لمجرد أن يُطلب منك، كيف بتسليم قيادة بلد لمجرد أن يهتف العُزَّل برحيلك. كان قويا وهو يسلم العلم الوطني لنائبه، ولم تبارح الأعين مراقبة أنشطته المحملة بالرسائل كثيفة الخطر، إنه قوي، يملك من الأموال ما يحرك الانتهازيين جماعات ووحدانا، الرقص الطويل أكسبه لياقة إدارة المصائب، قادر على ضخ أفكاره إلى العروق المتشعبة في كل الأرجاء، وقد أخذ راحة من الرقص كان القادمون يقولون ذلك. كنا جميعا نوقن قوته التي ترسبت بفعل الزمن وعبقرية التخطيط. 

 

صالح نفسه، كان يؤمن بقوته وعظمتها، لم يغب عن المشهد قط، صنع عالما موازيا للثورة وللقيادة الجديدة للبلاد، الكلمة بعشر والصورة تسبق، لحلف الأحزاب الذي عارضته أتى بحلف جديد، واستمر الرقص. 

 

كان القوي يرقص على رؤوس الثعابين، ويصفق للحية ويسقيها من عرقه السيّال. 

 

عندما تحالف مع مليشيا الحوثي، توالت الكوارث على اليمنيين، كنا نؤمن أنه القوة التي تلحق بنا الخراب، عندما اندلعت الحرب تأكد كل شيء، صالح مازال القوي الذي يدير المشهد برمته، هو كان يؤمن بذلك ونحن أيضاً. 

 

عندما وقع في الفخ، واقتربت الحية لمراقصته، فرحنا. الآثار التي تركها الحوثيون على البلاد مأساوي، سنتسامح مع صالح بعدما يخلصنا من الحية، خبرة الراقص على رؤوس الثعابين ستمكنه من ذلك، هو ما يزال قويا ونحن أثخنتنا الجراحات، أتعبنا الدمار، وهدت أعمارنا روائح البارود. 

 

حانت نهاية اللعب، خرج صالح بخطاب جريء دعا الشعب لمواجهة الحوثيين والانتصار للقيم الجمهورية، انتشر أنصاره في الأماكن مبشرين، توزع الكتبة والمنافقين على المنابر محللين، حملت ناشطة مقربة من ابن أخيه "حامل الآر بي جي" وسط صنعاء.. كنا فرحين، القوي سيقضي على الحية خلاص. 

 

بعد يومين فقط، لم يكن صالح ملفوفا بالبطانية مضرجا بالدم فقط، كانت الخبرة والحنكة ووهمنا بانتصار العائد إلى الصف الجمهوري، وكان صالح في رقدته الأخيرة ـ التي أثارت أحزاننا رغم كل شيء ـ يعلمنا درساً: الاغترار بالقوة لا يقي المصرع السوء.. وكم من متكبر لم يفهم الدرس بعد. 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر