براءة القناص 


سلمان الحميدي

بلغت الثلاثين وتجاوزتها بقليل الآن في 2020. في هذا العمر، رأيت عشرات الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الحوثي، أعرف الضحايا، عايشت بعضهم، أقاربي وأصحابي، بعضهم أقارب زملائي، كلهم يمنيون، وبعض الجرائم موثقة بتقنية HD، ومؤرشفة في مواقع التواصل الاجتماعي على الأقل. 

قبل أيام، رأيت الجريمة الأخيرة للقناص. قناص مليشيا الحوثي في تعز، اقتنص طفلة كانت في طريقها لجلب المياه.

كان الشارع فارغاً، لأنه أمام عين القناص، نست الطفلة، أو تغافلت عن الخطر الذي يدركه الكبار فتجنبوا المرور من الشارع، ظنت أنها طفلة لن يرى القناص رأسها، أو أنه رحيم، لم تدرك أن كل حي يمشى في مسرح الصيد يعتبره القناص متطاولاً وإن كان طفلاً في فمه رضاعة.  

مرت وهي تحمل العبوة البلاستيكية، في منتصف الشارع اخترقت الرصاصة جانب رأسها. شقيقها الذي يكبرها بقليل، ذهب ليسحبها على ركبتيه خوفا من القناص. 

القناص يشبع رغبته في رؤية الدم، يريد أن يتفاخر بعظمة الإنجاز، يريد أن يتباهى بالجثث التي أسقطها. لكن الخطأ الذي وقع به "المبررون الناعمون" لجرائم الحوثي، يثير غيظه، حتى وإن كانوا معاً في مترس واحد وخلف قناصة واحدة. 

مكتب يدعي صلته "بالإنسانية" يتبع سلطة مليشيا الحوثي، ينبري لنفي الجريمة، لا لا، الجريمة مثبتة لأن الضحية ماثلة أمام العالم. انبرى لنفي الجريمة عن القناص، وتحميل التعزيين دم الطفلة... 

أذرع بيضاء تتمايل راقصة في حفلة دم، يغتاظ القناص من هذا الغلاط، هو بحاجة لشهادة اقتناص في الحفلة، لا شهادة براءة، إذ كيف ستنكرون قنص "طفل الدوم" قبل أشهر، والمئات الذي تزدحم بهم مقبرة الشهداء، وآلاف القتلى والمشردين في مختلف الأنحاء. 

السعي لصرف البراءة للقناص، هو من طباع الأذرع الناعمة التي تتحرك لتجميل الصورة البشعة لمشروع القتلة. 

*** 

كنت قد بلغت العاشرة، أو تجاوزتها بقليل سنة 2000، وفي هذا العمر رأيت الجريمة التي ستنطبع في ذهني، المشهد الذي سيجعلني أرتجف أول مرة. لم نكن نملك تلفازاً كأغلب القرويين وقتها. عند الأحداث الجسام يتجمع أبناء القرى وسط ساحة في قرية مجاورة لمشاهدة التلفاز بعد توصيله ببطارية سيارة نيسان. كانت الأحداث بالأبيض والأسود ولكن نستطيع خلق الألوان ومعايشتها. كان من السهل رؤية حمرة الدم تسيل من الطفل المقنوص. 

لن يغادر المشهد الذهن أبداً، الطفل الفلسطيني محمد الدرة خلف والده الذي يلوح للصهاينة أن يوقفوا إطلاق النار، ولكن القتل رغبة، والقاتل بحاجة إلى إشباع رغبته، لا يفرق بين كبير أو صغير، طفل أو شاب، رجل أو امرأة، مسلح أو أعزل، الصيّاد المصاب بالعقد قد يقتنص شجرة إذا نجت من رصاصاته الفرائس. 

إنه مشهد قاس، يحرق الأكباد، سقط محمد الدرة ووالده، كان الرجال الذين يشاهدون التلفاز حزانى وغاضبون، حزانى على محمد الدرة ووالده، المجرمون قتلوا الطفل خلف ظهر أبيه، الاستهتار بالدم العربي جعلهم يغضبون، يغضبون على الأنظمة ويتحدثون عن تقاعسها في فتح أبواب الجهاد لطرد القتلة الغاصبين. 

كان مذيع نشرة الأخبار، على قناة اليمن الأرضية، حزيناً. لأنه من أذاع النبأ لم يبارح الذاكرة، اسمه أنور الأشول، جبهة مقطبة بتجاعيد الأسى، وصلعة تلتمع من حر الحزن. 

مشهد الطفل الفلسطيني محمد الدرة، أثار غضب العالم، كاميرا مصور franc2، فضحت الاحتلال الصهيوني، ولأن انكشاف الجريمة فضيحة، خاصة عندما تستهدف طفل، فقد تحرك متطرفون يهود، نشطاء مشروع الاحتلال، تحركوا لتبرئة جنود الاحتلال من ارتكاب الجريمة وتحميل الفلسطينيين دم الطفل.. 

السعي لصرف البراءة للقناص، هو من طباع الأذرع الناعمة التي تتحرك لتجميل الصورة البشعة لمشروع القتلة. 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر