منقذون مع وقف التنفيذ!


محمد علي محروس

 ضل أعرابي طريقه في الصحراء، وأخذ ينادي دون أن يرد عليه أحد، وبعد أن أُنهك من صراخه، سمع صوتًا من بين الكثبان المتحركة: أن لبيك، وحين وصل إليه، جرّده من كل شيء، وأعطاه شربة ماء يسد بها رمقه؛ ممتنًا عليه بها!
 
تمامًا، كما فعلت السعودية والإمارات باليمن، فالبلد التائه، بدا وحيدًا تتجاذبه الصراعات من كل جانب، حتى أن من ادعوا أنهم يعملون من أجله، ويواجهون نوائب الدهر لإسعاده وتخليصه من التراكمات السياسية التي لحقت به، لم يدخروا جهدًا في الإيقاع به، إذ انقلبوا على مؤسسات الدولة، وأفشلوا تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وعبثوا بكل شيء من أجل الوصول إلى مآرب اتضح لاحقًا أنهم مجرد أدوات لا تقدّم ولا تؤخر، ما عليها سوى سماع الأوامر وتنفيذها بحذافيرها دون أي استفسار أو تساؤل!
 
هناك حيث الجار اللدود، الجاثم على ثروات نفطية هائلة، المالك لمبالغ باهظة لا يعرف قنوات صرفها، ولا أين يوجهها، وما إن طُلب منه إغاثة جاره التائه، وتصويب مساره، حتى لبّى تحت غطاء الإنقاذ والمساعدة في استعادة مؤسسات الدولة، وإعادة الشرعية الدستورية، والحفاظ على النهج الجمهوري والمسار الوحدوي، وتمكين اليمنيين من تنفيذ ما اتفقوا عليه خلال مؤتمر الحوار الذي جمع كافة الأطياف، ووافق بينهم ضمن حراك سلمي تباهى به اليمنيون عامين كاملين.
 
كل ذلك بدا وكأنه ضخًا للتناول والتداول ولاستعراض عضلات الدولة ذات الثقل السياسي والاقتصادي في المنطقة، ثم سرعان ما بات كل شيء له حساب مختلف، وكأننا استدعيناهم لتنفيذ مخططات أخرى لا علاقة لها بإنقاذ اليمنيين ووأد الانقلاب وما ترتب عليه من أزمات لا نهاية لها.
 
أحسنّا الظن في السعودية يومها؛ لأن من هم من أبناء جلدتنا اختاروا التنافس الصفري مسارًا لهم، وحكموا بالموت على كل من رفضهم، وكل من لم يجنح لإرادتهم، لكن السعودية خرجت عن الإطار، وفسحت المجال لجارتها ذات التوجهات الأخرى في المنطقة، وكعادتها استخدمتها غطاء لتحقيق ما عجزت عنه طوال العقود السابقة، وهي اليوم شئنا أم أبينا تفرض خياراتها على المنطقة والأمم المتحدة وتعمل من أجل ترتيب أوراقها لتصدر المشهد مهما كانت الكلفة والتبعات، وإن على حساب ما تسعى إليه، وكل الشواهد تذهب لهذا، بالنظر إلى مستجدات محيطها المشتعل في اليمن والعراق ولبنان والبحرين.
 
لا أدري كيف يفكر السعوديون وهم توعدوا وأرعدوا وقالوا إن الحرب لن تستمر سوى أسبوعين، وها هم اليوم يتقفزون من محافظة إلى أخرى للعب دور الوسيط بين الحكومة التي تدعي مساندتها وبين تشكيلات مسلحة تشكلت نتيجة التراكمات الذي صنعه تدخلها المبهم، وبين هذا وذاك بدلًا من مواجهة متمرد واحد كالحوثيين بتنا نواجه متمردين متعددين، لهم توجهاتهم العسكرية والأيدولوجية، ويتمتعون بحضور واسع على مستوى التبعية المطلقة، فمن يدفع يُتبع!
 
الحوثيون لعنة الدهر، هم أصل البلاء كله، ومن بعدهم أولئك الذين زعموا إنقاذنا ثم تفرخت أهدافهم لتشتيتنا، مستخدمين الحوثيين ذريعة لذلك، والآخرين وسيلة من أجل تمريرها.. أزمات وأوبئة وصراعات نحن في غنى عنها، اصطنعوها وحولونا إلى بؤرة نزاع قد لا تنتهي!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر