انسداد الأفق.. ما الحل؟


محمد علي محروس

  البحث عن أرضية مشتركة لليمنيين بات معقدًا أكثر من أي وقت مضى، فقنوات الحوار بين الحكومة المعترف بها دوليًا، والمليشيا الانقلابية الحوثية وصلت إلى طريق مسدود، بسبب التعنت الحوثي والهروب من مسؤولية تنفيذ كافة الاتفاقيات بدءًا بالكويت، مرورًا بجولتي جنيف، وصولًا إلى مشاورات السويد وما نتج عنها من اتفاقات فرعية، هي الأخرى لم ترَ النور، وظلّت في حكم سابقاتها مع كثير من التقلبات المليشاوية، قليل من الحضور الأممي، كمسؤول عن رعاية وتنفيذ كافة الاتفاقيات، وهو وضع يجعل مسؤولية الأمم المتحدة حتمية للوصول إلى حل نهائي، أو تحديد الطرف المعرقل وتسميته وتعريته أمام العالم كمعرقل جانح للحرب على حساب السلام والوئام الذي يتطلع إليه اليمنيون منذ سنوات.

هذا ما يبدو عليه المشهد بين من خطّط ونفّذ الانقلاب، وأقحم اليمن في أتون حرب عبثية لا نهاية لها، وصنع الفجوات الاجتماعية، والامتيازات الطبقية، وأعاد استنساخ السلالية والمذهبية على حساب حالة التعايش التي نتباهى بها كيمنيين منذ الأزل، وبين الحكومة الشرعية، التي وقعت ضحية صراعات إقليمية، قزمتها، وجعلتها مجرد أرجوحة من يد إلى أخرى، دون قرار فعلي، مجرد كومبارس، لتمرير الأوامر المتمخضة عما يراه التحالف العربي، وشرعنته ماليًا وإداريًا، ولا يعدو دورها عن ذلك، سوى مراقبة الوضع، والبناء عليه من حيث التقارير الإنسانية، والمناشدات، وبيانات الإدانة والتعبير عن القلق!

في المقابل، وإضافة لارتباطاتها مع التحالف العربي، ووضعها المختلف تمامًا، والقائم على استنادها الدستوري، وشرعيتها المعلّقة، تم اصطناع تشكيلات مسلحة في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، تعمل في إطار تصادمي على الأرض مع القوات التابعة لها، وتذهب في سياقات بعيدة كل البعد عن كيان الدولة الواحدة الرامية لدحر الانقلاب واستعادة السيطرة الكاملة على الأراضي اليمنية.. بل إن هذه التشكيلات تم تكوينها وفق سياسات أيدولوجية دينية موجّهة، تدين بتبعية عمياء لمن يدفع أكثر، وأخرى مناطقية، أنشئت استدعاءً للماضي، ولمظلوميات كان مؤتمر الحوار قد وضع مداميك حلولها الأولى وبكل متانة، وثالثة بين هؤلاء وهؤلاء، لها التزاماتها التي تفرضها تسميتها، لكنها لا ولن تعدو عن وظيفتها التي قامت عليها، وهو حماية مصالح وتحقيق رغبات دول ما، وفق منظور يبدو في ظاهره وطنيًا، لكنه يتجاوز الوطن بمراحل، ويؤسس لوضع استثنائي، قد يعيد السيناريو الليبي، وهذا ما يحدث في الساحل الغربي على وجه الخصوص.

الأرضية المشتركة التي كان يبحث عنها اليمنيون للوصول إلى حل سياسي يضع حدًا للوضع السائد منذ ست سنوات، لم تعد مهيأة كما كانت من قبل؛ فالحوثيون أمعنوا في إذعان القاطنين بمناطق سيطرتهم، وأذاقوهم الويلات، واخترعوا لأنفسهم مصوغات تشرعن لهم عمليات الابتزاز المكثفة، وتبرر لهم تبويباتهم التي يجتزئون من خلالها أموالًا طائلة من أجل إنفاقها لمصالح شخصية، ولمآرب تصب في نهاية المطاف لمزيد من النيل والتنكيل باليمنيين من خلال ممارسات مستجدة لا تخطر على بال إبليس نفسه!

نحن أمام وضع دقيق للغاية، تفتقد اليمن فيه للقيادة الفاعلة، وتفتقر لأصحاب القرار، وحتى أصحاب الفعل على الأرض مكتوفي الأيدي؛ بسبب السياسات المتبعة من قبل أصحاب القرار المرتهنين لأيديولوجيات وتوجهات تتجاوز اليمن وحتى محيطه العربي، وباتوا مجرد أدوات لا تقدّم ولا تؤخر، فقط عليها تسمع وتطيع، ودون ذلك لا يهمها ما قد يترتب على سكوتها وارتهانها!

إننا نواجه كل الصعاب بآفاق مسدودة، سواء على مستوى الحلول السياسية، أو حتى على مستوى الحسم العسكري، ولا يزيدنا يقينًا بأننا سننجو سوى تمسك اليمنيين بخيار السلام، والخروج من المأزق بحل سياسي نهائي، يعيد لليمن لحمتها، ويجعلها كما كانت قبلة للحب والوئام والتعايش، وهذا رد الاعتبار إذا ما أفلح الفرقاء في تحقيقه.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر