الراتب كضرورة معيشية


محمد علي محروس

 لم يُفلت الصراع على السلطة في اليمن حياة الناس من قبضته، بل اشتد عليهم وطأة، وأخذ المتصارعون تجريب وسائل وطرق أخرى للنيل من اليمنيين، غير عابئين بالعواقب الوخيمة التي ترتبت على ذلك، وما أحدثته من مفاقمة للوضع المعيشي السيئ، والحالة الاقتصادية المعقدة في البلاد.

بعيد انقلابهم، في سبتمبر 2014، اتجه الحوثيون نحو تجيير مصادر الدخل الحكومية لحسابات شخصية، وهم المسيطرون على كافة الموارد الحيوية، وبأيديهم –يومذاك- التحكم في البنك المركزي، الذي لم يُتخذ قرار نقله بعد، إلا في سبتمبر 2016، وحينها كان الحوثيون قد اتخذوا قرار توقيف صرف رواتب الموظفين، على الرغم من إن كافة الموارد، وآليات التحكم بذلك كانت في أيديهم، وكالعادة، تؤكد الجماعة السلالية انتماءها إلى الطبقية والعصبوية، وتؤكد بأنها جاءت للفيد، والحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال التي تسلبها وتبتزها من أفواه اليمنيين دون وجه.

وحينما بدأ البنك المركزي ممارسة مهامه من عدن، تصدر الحوثيون مشهد البحث عن حقوق الموظفين كما يدعون، في الوقت الذي لا تزال الاتصالات وعدد من الموارد الحيوية تذهب إليهم؛ باعتبار مركزها في صنعاء لا يقبل نقلها الفوري، ويحتاج إلى بدائل أخرى، وربما بدائل نهائية، وهو ما لم يحدث إلى اليوم، وهذا وحده مصدر دخل للحوثيين يستفيدون منه بشكل غير عادي، ولم تقم الحكومة الشرعية باي خطوات جدية للتعامل مع هذا الملف، وتكتفي ببيانات الرفض والشطب، دون أي فعل قد تبنى عليه خطوات عملية.

يواجه الموظفون الحكوميون ضغوطًا يومية على مستوى حياتهم، ولقمة عيشهم، فيما تتجاهل الأمم المتحدة إرغام الحوثيين على سداد رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم، على الرغم من وجود اتفاقيات وتفاهمات تقضي بذلك، على أن تقوم الحكومة المعترف بها دوليًا بذات الخطوة في مناطق سيطرتها، وهو ما يحدث بالضبط، مع وجود بعض الاختلالات التي تسبب عدم انتظامها في موعدها المحدد.

لابد أن تعي الأطراف أهمية تفعيل صرف رواتب الموظفين الحكوميين، البالغ عددهم حتى 2014 نحو مليون ومائتي ألف موظف، بإجمالي شهري مائتين مليون دولار، وهذا المبلغ تتقاضى جماعة الحوثي الانقلابية أضعافه شهريًا، إما كضرائب وإتاوات، أو كموارد من الاتصالات والانترنت، أو كفوائد من ميناء الحديدة وعوائد النفط المستورد عبره، ولعلنا ندرك تمامًا تنصل الحوثيين عن اتفاق الحديدة الذي قضى بفتح حساب بنكي في البنك المركزي بالمحافظة، يتم فيه توريد مستحقات عوائد النفط المستوردة، على أن يغطي ذلك رواتب موظفي المحافظة، ولكن شيئًا من ذلك لم يحدث، ففي مايو الماضي استولت جماعة الحوثي على 35 مليار ريال تم تجميعها في الحساب، وصادرتها إلى صنعاء، أمام مرأى ومسمع الوسيط الأممي، الذي لم يعر الموضوع اهتمامًا، وسط استهجان حكومي.

يقضي الموظفون أوقاتًا عصيبة، فالحوثي يصرف نصف راتب، كل شهرين، وبشكل غير دوري، ويرى ذلك منة منه وفضلًا، فيما إيرادات المحافظات التي يسيطر عليها تبلغ مئات المليارات، ناهيك عما يقوم بسلبه ونهبه وابتزازه تحت مسميات عدة، إضافة للإغاثة التي يقوم بسرقتها ونهبها، والتعامل معها كمجهود حربي، غير مهتم بحياة وأرواح الملايين من المحتاجين، خصوصًا، ومحافظات سيطرته تعد الأعلى كثافة سكانية في البلاد.

إيجاد حل عاجل لقضية الموظفين، وصرف رواتبهم بشكل منتظم، سيحل الكثير من المعاناة، وسيوفر لقمة العيش لملايين الأسر التي تقاصي الأمرين وسط احتدام الصراع الحاصل، وسوء الأوضاع المعيشية، وارتفاع الأسعار، والهبوط المتواصل للعملة الوطنية، وأسوأ من ذلك كله تفشي فيروس كورونا، الملزم للجميع بتوخي الحذر والالتزام بالمنزل قدر الإمكان وقاية وحماية، وهذا يعني الموت لمن يرتكز دخله على ما يجنيه بشكل يومي، وهذا السبب وحده يتطلب حلًا عاجلًا لقضية رواتب الموظفين، وصرفها، لما لذلك من أثر إيجابي سيعود على ملايين اليمنيين.. فهل يدرك المعنيون هذا الأمر؟.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر