آنستنا يا عيد


محمد علي محروس

للفرحة صور مختلفة، نحن من نستطيع تشكيلها وتكوينها وإخراجها بشكلها النهائي.. نملك مفاتيح استصدارها للجميع، بيننا البين، في حينا ومحيطنا، لدينا القدرة الكاملة لتحقيق غاية العيد من تراحم وتواصل وسعادة، رغم كل ما يدور في البلاد، وانعكاسات ذلك على مراسيم العيد والطقوس المرتبطة به عند اليمنيين، لكننا لم نرفع راية الاستسلام، ومارسنا ما نستطيع من طقوس، وبما يمكننا من ذلك، وهذه ميزة اليمنيين الفارقة، يعيشون وفق عرفهم وتقاليدهم، ولا يتنازلون عن حقهم في الحياة مهما كانت المنغصات، فكل ما يقف في وجه ذلك لا يمكنه إيقافهم عما يريدونه، وهذه هي القوة التي منحتهم علامة التميز، وجعلتهم شعبًا يمتاز بمقاومة كافة العواصف التي أحاطت وتحيط به من كل جانب.

أتذكر أيامًا كانت ذات قسوة علينا نحن اليمنيين، مليشيا الحوثي تقصف المناطق الرافضة لها، وطائرات التحالف تقصف مناطق سيطرة المليشيا بغارات خاطئة، ونحن نمارس هواياتنا في الحياة، لم نتوقف، لأن ذلك يعني الاستسلام والرضوخ، وكأننا نقبل بالحرب بديلًا عن السلام، وكنّا بمقاومتنا المختلفة هذه نقدم صورة حية لما يدور في مكنوناتنا: أن توقفّنا عن شغفنا يعني الموت وإن بقينا على قيد الحياة!

ها نحن اليوم في زمن كورونا، الفيروس التاجي صاحب السرعة الفائقة من حيث الإصابة والانتشار، نمارس هواياتنا غير عابئين بأسلحة الفيروس المتطورة، وبخفته المختلفة عن بقية الفيروسات، وهذا يظهر وجهًا عصيًا لليمني الشغوف بالحياة رغم مؤشرات الخطر العالية، ويبرز تهوّرًا غير محمود العواقب، ويدعونا لنكون أكثر وعيًا لما يدور حولنا، وذوي مسؤولية تجاه أنفسنا وأهلنا وبلادنا، وأن نتنازل لفترة زمنية بسيطة عن أهوائنا؛ حتى نتمكن من هزيمة كورونا، ونعود كما كنّا وأكثر.

ما لا ندركه أن كورونا يحمل في طياته الخطر للجميع، فالكل معرّض للإصابة به، دون استثناء، وهنا تكمن خطورته مقارنة بالأوبئة الأخرى، وهذا يزيدنا إصرارًا على الاستمتاع بحياتنا بطريقة مثالية، بحفاظنا على أنفسنا والآخرين، لا أن نستمتع على حساب صحتنا وحياتنا، هذا ما يجب أن نستوعبه وندركه يقينًا، وهذه هي العيدية التي علينا تقديمها لأنفسنا ولأهالينا؛ حتى لا نقع وإياهم في فخ كورونا.

علينا أن نجسّد "آنستنا يا عيد" واقعًا بالحفاظ على حياتنا، والوقاية من الفيروس المستجد، وإحداث توعية حقيقية حول المرض، وأن نخفف طقوسنا قدر الإمكان؛ لنحتفل بالعيد ثانية، ولننعم بذلك مع أحبائنا وأبناء وطننا، لا أن نكون أداة لنشره، بقفزنا على كافة الدعوات المنادية بتخفيف النزول إلى الشوارع، وتجنّب الأماكن المزدحمة، والنظافة المستمرة، وهذا ما علينا الالتزام به وقاية واحتفالًا بالعيد بشكل آخر، وهذا ما يستحقه منا العيد، وتستحقه أسرنا.

لا يخفى علينا الوضع المتفاقم في صنعاء وعدن، والأعداد المتزايدة للإصابة في محافظات أخرى كتعز وحضرموت ولحج والضالع، وهذا وحده يدعون لشحذ الهمم، ولبذل جهود مضاعفة؛ كي نكون بخير وفي عافية.. أليس العيد عيد العافية؟ وندعو لبعضنا بالصحة والسلامة؟ وهو ما يجب تجسيده اليوم خلال العيد وفي غير العيد.

"آنستنا يا عيد" دعوة للمعايدة عن بعد، بقلوبنا، بمشاعرنا، بوسائل التواصل التي نستطيع بها الوصول إلى الجميع، ليس بالضرورة أن نتصافح ونتعانق، ولا أن نجتمع بشكل مزدحم، وليس بالضرورة أن يطيب العيد بجلسات القات المطوّلة، ولا بالرحلات الغير محسوبة العواقب.. تجنبوا كل هذا وبإمكانكم القيام به فور الانتصار على كورونا وتحجيم انتشاره، كونوا على قدر من المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية.

عيدكم مبارك، والزموا منازلكم، وخليكم في بيوتكم، واسعدوا أنفسكم وغيركم بالوقاية والوعي الإيجابي؛ حتى ننعم بالأمان من كورونا وعواقبه الغير محسوبة..
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر