في كل رمضان، لابد من جدل تثيره بعض الفضائيات من خلال ما تعرضه من محتوى، وهذا الأمر يبدو بدهيا في منصات التواصل التي تتمتع بسقف عال من حرية التعبير، لكن ثمة سؤال ملح عما تحصده هذه الفضائيات من تعمدها إثارة الجدل واستفزاز مشاعر المشاهدين فيما محتواها خلال شهر رمضان.
 
يتمتع الإعلام السعودي بنفوذ واسع في نسبة المتابعة، وهنا أعني الإعلام غير الرسمي الذي تتحكم به الحكومة السعودية، ومن ذلك مجموعة إم بي سي، التي لعبت دورا كبيرا في تغريب المجتمعات العربية، والترويج للثقافة الوافدة، وأخيرا، تحريف الحقائق فيما تنتجه من أعمال درامية تعبّر عن رؤية التوجه الجديد في المملكة على وجه التحديد، والخليج عموما.
 
أنتجت المجموعة خلال السنوات الأخيرة أعمالا درامية عرضتها خلال رمضان، وتعمدت فيها تقديم صورة مغلوطة ومحرفة، كمسلسلي غرابيب سود والعاصوف،  اللذان أساءا للمرأة السعودية، وأظهراها كهاوية للجنس، من خلال الالتحاق بما يسمى "جهاد النكاح" كما في الغرابيب، أو الانفتاح الذي يقود إلى الزنا كما في العاصوف.
 
هذا العام، أنتجت مجموعة إم بي سي مسلسل "أم هارون" الذي يتناول حياة اليهود في الكويت خلال أربعينيات القرن الماضي، ومسلسل "مخرج7" الذي يدعو صراحة للتطبيع مع الصهاينة، وإجمالا، فإن هذه الدراما التطبيعية، تأتي متوافقة مع التوجه الرسمي لدول الخليج، للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والفكرة عندما تعرض من خلال مسلسل درامي تبرز فيه المشاعر العاطفية مع الإبهار البصري، تكون أقوى تأثيرا من أي دعوة رسمية للتطبيع، وقس على ذلك فضائيات عربية أخرى تنهج نهج إم بي سي، في استخدام القوة الناعمة في التأثير على الجماهير وربما السيطرة عليها.
 
تشكّل التفاهة، جزءا كبيرا في الخريطة البرامجية لعظم الفضائيات، التي تهتم بالكم على حساب الكيف، ونتج عن ذلك العشرات من برامج التفاهة، التي ينفق عليها مبالغ طائلة، والمؤسف أن هذه البرامج تحظى برصيد كبير من المتابعة، ولعل السبب يعود في أن التفاهة التي زرعتها أنظمة الحكم من خلال الإعلام، قد أوتيت ثمارها في اهتمامات الجمهور المتلقي.
 
لقد كانت برامج المسابقات التي تضيف معلومات جديدة للمتلقي رائجة فيما مضى من السنوات، ولازلت أتذكر كيف كان القلم لا يفارق يدي وأنا أشاهد برنامج فرسان الميدان للراحل يحيى علاو، الذي كان أقوى محتوى ينتجه الإعلام اليمني في رمضان، وكنت أسجّل أسئلة وإجابات البرنامج في أوراق اقتطعتها من دفاتر المدرسة، وكان هناك برامج مسابقات مباشرة تبث في فضائيات عربية، ويخرج المتابع لها بحصيلة من المعلومات، أما اليوم فالحال انحدر في هذه البرامج سواء كانت محلية أو عربية، وأصبحت البرامج تعتمد على شكل المقدم وجاذبيته، بعيدا عن جودة المحتوى وحتى أداء المقدم.
 
ومثل برامج المسابقات، كانت هناك برامج دينية مهمة يتابعها الناس، لدعاة أضحوا اليوم غير مرحب بهم في أي وسيلة إعلامية، لأن مواقفهم الثابتة لا تناسب التغير في مواقف الأنظمة، كما كان هناك مساحة محدودة لدراما تاريخية لشخصيات لها ثقلها في التاريخ العسكري الإسلامي، لكن هذه المساحة اختفت، وبقيت الدراما التي تجمّل طغيان الأنظمة، أو تبرز شخصية تاريخية لا وزن لها، لمجرد الترويج لفكرة معينة.
 
وعندما تحتل التفاهة مساحة في الإعلام العربي، فلابد من استغفال الجماهير وإضحاكها، وهنا تأتي برامج المقالب ومسلسلات التغريب التي يصرف عليها الملايين، لتذهب إلى جيوب المشاهير أو التافهين بتعبير أدق، بينما يتضور الناس جوعا في المدن المنكوبة بالحرب والمجاعة، وهكذا يغرق الناس في اللهو واللعب والضحك، وتتوقف عقولهم عن التفكير في مايجري من حولهم من أهوال ومصائب.
 
إن أسوأ ما في هذه التفاهة الجارية، أن عرضها على الناس يتم في شهر رمضان من كل عام، حتى ليخيّل للمتابع أن رمضان أصبح موسما لصناعة التفاهة، لا موسما روحانيا للتعبد والصيام وقراءة القرآن.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر