انقاذ اتفاق الرياض


محمد علي محروس

  انقضى الكثير من الوقت على اتفاق الرياض، المبرم بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، مطلع نوفمبر الماضي، ولم نشهد تغييرًا في مسرح الأحداث الجدير بتغييرات فورية اقتضاها الاتفاق منذ اليوم التالي من التوقيع، لكنه ظل حبيس الورق التي كُتب عليها، وتعرّض للعديد من التأويلات التي حاول بها البعض القفز على ما تم التوافق عليه، كل هذا مصحوبًا بمحاولات استفزازية هنا وهناك، هدفها وأد الاتفاق في مهده، وهو ما حاولت الشرعية النأي عنه، والإصرار على تنفيذ البنود كاملة وفق الآليات العملية التي تحددها اللجنة المشتركة، وبإشراف مباشر من السعودية، باعتبارها ضامنة التنفيذ، ومن دفعت الجانبين للتوصل إلى كلمة سواء، وإن تبدو هذه الكلمة معلّقة، لا تنفيذ، ولا توجّه حقيقي لشيء من هذا القبيل.

حتى عودة رئيس الحكومة رفقة خمسة وزراء، تبقى عودة فرضتها الحاجة؛ لتسيير الوضع في المناطق المحررة، وإدارة الشؤون المالية، والمعاملات الإدارية الروتينية، فيما عدا ذلك، فلا قول فصل سوى لمن يسيطر على الأرض، ومن بيده مقاليد الأمر، يمارس ما يحلو له، دونًا عن الحكومة التي لا تملك شيئًا على مستوى الفعل.

الخميس الفائت، اتفق الطرفان بإشراف وتأكيد سعودي على البدء بالآلية التنفيذية، وفي مقدمتها الانسحاب من عدن، والعودة إلى جبهات القتال مع مليشيا الحوثي، وإخراج المدينة من أتون صراع دام أشهر، ما كانت بحاجة له، وبدا كونه فعلًا له أبعاده التي ستحدد مستقبل بلد لا وجهة له!

أكثر من شهرين، والاتفاق في الأروقة، يراوح مكانه، لا أحد يتحدث عن ضرورة التنفيذ؛ لإخراج البلاد من عنق الزجاجة، ووضع حد لسلسة إهدار الوقت، والتوجه نحو إنهاء انقلاب شل مؤسسات الدولة، وصنع مأساة اليمنيين التي لن تمحى على مدى ما تبقى من الوجود، إنها مسؤولية يتحملها الجميع، من أجل ترتيب الأوراق، والترفع عن خلافات جوهرها المصالح الضيقة، وخدمة مشاريع لا علاقة لها بالخيارات الشعبية، ولا صلة بأطرها لا باليمن ولا باليمنيين.

هل كنّا بحاجة لاتفاق جديد لتنفيذ الاتفاق؟

أخشى أن نصل غلى مرحلة أخرى، توجب توقيع اتفاق آخر لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه الخميس الماضي، وهكذا نواصل مسيرة توقيع الاتفاقات، ولا نجيد تنفيذها، بل لا نملك الإرادة الكافية، ونفتقد لعوامل الفعل من أجل ترجمة اتفاق واحد فقط على أرض الواقع!

ما لا ندركه ونحن في هذه الحالة الاستثنائية إن الوضع المليشاوي يسد الأفق نحو أي حل جذري قادم، ويشرعن للمليشيا التي دمرت البلاد ما فعلته، وأعني هنا الحوثيين، الذين يقفون وراء الفوضى السائدة منذ سنوات.. دون شك يبقى المجلس الانتقالي أكبر الخاسرين من بقاء اتفاق الرياض رهين التأويلات الشخصية، والانطباعات التي تطغى عليها المناطقية، واستدعاء الماضي، لأسباب لا صلة لها بواقع الحال الذي نعيشه، فما استجد، تجاوز كل عصور اليمن.

على المجلس الانتقالي أن يدرك حقيقة أنه محاط بمجاميع مسلحة، تسعى للحصول على اعتراف حكومي، وهو ما ضمنه اتفاق الرياض، أما سياسيًا، فما جرى كان نوعًا من فرض واقع بالقوة وسياسيًا لا يُصنّف ذلك كثورة ولا انتفاضة، بل وقوفًا في وجه الإرادة الشعبية الجامعة، لذا فعملية التخبط السياسية التي يمر بها المجلس، تحتاج لإعادة النظر والبناء على فرصة الاعتراف المنتزع منذ توقيع الاتفاق، حين قبلت الحكومة الجلوس مع مكون سياسي فرض ما يسعى إليه بالقوة!

من الأهمية بمكان لليمن وللحكومة وللمجلس الانتقالي وللشعب عمومًا أن يرى الاتفاق النور، ويبدأ الضامنون بممارسة ضغوط مؤثرة تُلزم الجميع بالتنفيذ الموقّع عليه وفق الآليات الملحقة، فالشعب يكفيه معاناة وألمًا، ما ارتكبته مليشيا الحوثي بحق الوجود اليمني أرضًا وإنسانا.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر