اتفاقٌ مع وقف التنفيذ!


محمد علي محروس

  مر شهر على اتفاق الرياض، والحال كما هو، لم يتغير شيء سوى عودة رئيس الحكومة مصحوبًا بعدد قليل من الوزراء، ووضعوا في قصر المعاشيق الرئاسي؛ ليؤدوا ما عليهم من بروتوكلات اعتيادية، توثقها كاميرات التغطية على ما يجري في الميدان، والهروب من بقية بنود الاتفاق الذي يفترض أن يكون قد قطع أشواطًا على المستوى العملي، بحسب خارطة الأربعين اليوم الأولى.

لا يساورني شك في أن السعودية طرف مفصلي في مشهد عدن، وإن تصدّرته الإمارات، فصناعة أطراف أخرى تتحكم في الواقع بعيدًا عن حكومة منظمة، يفتح الباب أمام سيطرة واسعة للتحالف بقيادة السعودية، ويمنحه امتياز التحكم في القرار اليمني برمته، وهو ما شرعنه اتفاق الرياض، وأكدته الأحداث اللاحقة، التي لا تزال عقبة أمام الاتفاق الذي أصبح ساريًا، مع وقف التنفيذ!

لا تملك الحكومة الشرعية سوى "هز الرأس"، وذلك لدى السعودية موافقة كاملة، استوجبتها الظروف الراهنة؛ لإنقاذ الشقيقة المهترئة، بفعل أجندة المحيط الغني، وفي مقدمته المملكة ذاتها، وإن سُمح لهادي وحكومته بالحديث فإنهم يستهلكونه في الثناء والشكر للمملكة وقيادتها الحكيمة، التي رأبت الصدع بين الحكومة والمجلس الانتقالي، وعملت على تقريب وجهات النظر بينهما، ونظمت حوارًا أفضى إلى اتفاق أعرج، يكاد ينفجر من سوء فهمه، وصعوبة تنفيذه.

هل كان سكان عدن ينتظرون الاتفاق ليستيقظوا كل صباح على جريمة اغتيال جديدة؟..أهذا ما استدعى عودة الحكومة؟ أم تسيير الوضع والعمل على تطبيعه؟..لماذا لا تقوم السعودية بدورها المحوري، الذي خوّلها الاتفاق لعبه لمراحل قادمة؟

كل هذه الأسئلة تظل معلّقة، ما لم يتم الرد عليها عمليًا، فالناس في عدن، والمحافظات المحررة كلها، بحاجة إلى حضور الدولة بمؤسساتها، وما يترتب عليها من خدمات أساسية، ومستحقات الموظفين الشهرية، وتيسير وتسيير المعاملات العامة التي يحتاجها الناس بشكل روتيني، عدا ذلك، فليمت الاتفاق في مهده، إن لم تكن الخدمات متوفرة، وإن لم يحصل المواطنون عليها دون عناء، فهم في كل الأحوال ليسوا طرفًا، ولا يتبعون طرفًا بعينه؛ وهو ما يستوجب تحييدهم، وتحييد الخدمات الأساسية عن أي صراع أو توجه سياسي ما.

من حق المواطنين أن ينعموا بالاستقرار، ويشعروا بالأمن في أحيائهم وأسواقهم ومدنهم، فالاغتيالات الممنهجة لا تعدو عن كونها تراكمات ستؤدي بوجه أو بآخر إلى انفجار الوضع؛ فالسكان يعيشون على هذا الوقع بشكل يومي، وهو ما يعني انعدام الشعور بالأمان، واصطناع بؤر للفوضى، قد تتفاقم أكثر، وتكون تبعاتها كارثية، على عدن وبقية المحافظات المحررة، يحدث هذا كله والسعودية العربية تدّعي أنها صنعت مرحلة جديدة من التوافق بين اليمنيين!

تحاول السعودية إظهار نفسها كبيرة عبر اليمن، ولكنها تلقت الكثير من الصدمات خلال خمس سنوات من التدخل الإنقاذي، الذي أدخل السعودية في مخاض عسير، عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، بسبب انعدام الرؤية، وانسداد آفاق الحل، وقصر النفس لدى المتحكمين في القرار السعودي، وعلاوة على ذلك هوشلية الفعل المُصَاحب بسوء إدراك للعواقب المترتبة على ما تقوم به.

إن اتفاق الرياض ما زال كما هو، حبر على ورق، لا صلة له بالواقع، ولم يلمس الناس منه ما يؤكد لهم بأن ما بعده ليس كما قبله، فهو غير خاضع للتنفيذ حتى اللحظة، ولم يُفعّل المعنيون بتنفيذه ما يدل على جديتهم ومدى اهتمامهم بتحويله واقعًا ملموسا.

ينتظر الناس مرحلة التنفيذ بحذافيرها؛ كي يتسنى لهم الحصول على خدماتهم كاملة لا نقصان فيها، ولو بما يمنحهم إمكانية تسيير حياتهم بما أمكن، دون أن يكونوا بعيدًا عما يريدون، فلا دولة ولا خدمات، وهذا كارثي في حد ذاته، شعوريًا، فما بالك حين يكون معايشا؟!

على السعودية أن تُفعّل دورها، وتنفث الحياة في اتفاق الرياض، لا تجعله معلّقًا، لا التزام، ولا تنفيذ، ذو حكم، لكنه مع وقف التنفيذ!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر