إلى ماذا يتطلع اليمنيون


محمد علي محروس

لا تمنعهم معاناتهم عن متابعة شؤون بلادهم السياسية والاقتصادية، على ذلك دأب اليمنيون منذ أول رصاصة للحرب مطلع 2015، ومن ذلك الحين والأحداث السياسية والموجات الاقتصادية تتفاقم إلى الأسوأ، وتنذر بما سيأتي بعدها، ضمن سلاسل الإخفاق المتبادل بين القوى المسيطرة على الوضع بشكل رئيسي، الشرعية والحوثيون والتحالف العربي، لكل منهم توجهه المعلن واللا معلن، وعلى ذلك تدور دائرة البلاد في فلكهم، ولا تجتازه مهما كان الوضع، حتى الأمم المتحدة ما هي إلا جزء مكمّل لربطة الإخفاق الملتوية حول عنق اليمن منذ خمس سنوات.
 
يكابر اليمنيون؛ لئلا يستسلموا لوضعهم المصطنع قسرًا، بفعل تجار الحرب، ويحاولون الوقوف في وجه الأعاصير التي لا تتوقف، وكل ذل من صميم إيمانهم بالوصول إلى حل نهائي يضع حدًا للحرب والخلافات التي تجاوزت مداها وطالت الحرث والنسل، دون سبب جوهري يبرر نشوبها واستمرارها، فاليمنيون بقدر إيمانهم بإمكانياتهم التي يعيشونها، فإنهم لا يتجاوزنها حتى لا يقال بأن حسبتهم مغلوطة، ولا أن يكونوا من ذوي الحسابات المعقدة، وتركوا ذلك للساسة على مستوى السياسة والاقتصاد، وعلى ذلك قس عدد خيبات الأمل التي أصابتهم نظير ذلك.
 
شكّل انقلاب الحوثيين الصدمة الكبرى للتطلعات اليمنية الجامعة، بعد انفراجه الحوار الوطني، الذي جمع اليمنيين جميعًا، وخرج بوثيقة ضمنت لهم مستقبلًا معبدًا بتوافقهم، وبيمن اتحادي يحويهم، ويمنحهم فرصًا ثمينة للوصول إلى آمالهم المرسومة منذ ستة عقود، ولكن الحوثيين، مسنودين بالقوى التقليدية التي أصابها مؤتمر الحوار في مقتل، وسحب منها بساط السيطرة، لم يرق لهم أن ينعم اليمنيون بمستقبل واعد، وبغد أفضل، لذا التفوا حول القوى الظلامية ذات الأبعاد الدينية المتطرفة، وشاركوها حلهم وترحالهم، حتى أكملوا عقد المؤامرة المستهدفة لحاضر اليمن الوليد، ولغده الذي لم تكتمل بوتقته بعد.
 
بعيد انقلابهم المشؤوم، جاءت الصدمة الثانية في اتفاق السلم والشراكة، الذي مثّل الضوء الأخضر والمشرعن للانقلاب الحوثي، بمباركة أممية، وبموافقة الدول الخليجية والدول الراعية لعملية السلام في اليمن، وبتصفيق حار من القوى السياسية التقليدية في البلاد، وبه تحوّلوا إلى جائحة أصابت اليمن أرضًا وإنسانًا، سرطان استشرى في جسد الوطن وأصابه بالشلل التام، كل من يعارضهم، مصيره الغموض، وكل شيء لهم باسم الله وبالحق الإلهي الذي يتخذونه مسوغًا للإفساد في الأرض.. وذلك كله قتل لتطلعات الشعب وآماله.
 
توقفت عقارب الساعة اليمنية عند الإعلان عن مخرجات الحوار الوطني، وما تلاها يُعد عبثًا لا صلة له باليمنيين ومستقبلهم، لذا يؤكدون أنهم في عطش دائم للدولة وحضورها شبه المنعدم، حتى في المحافظات المحررة، ولكن التمسك بقشة الدولة خير لهم من الوقوف في صف المليشيا المنتهجة للفعل العصبوي الإجرامي، وقد أكدوا ذلك في كذا موقف، وذلك يعبّر عن تطلعاتهم في يمن واحد، يحوي الجميع، لا استثناء فيه سوى لمن يعارض مبادئه ومكاسبه وثوابته الوطنية، وهم اليوم كُثر؛ بفعل تجارة الحرب الرائجة، وسوقها المربح على كافة الأصعدة.
 
يجدر بالحكومة الشرعية أن تستمد طاقتها من تطلعات اليمنيين في دول قوية، ضامنة لحقوقهم، ومعبّرة عن هويتهم وحضارتهم الضاربة في عمق التاريخ، لا ترضخ للقوى الانقلابية، ولا تتمادى في تنازلاتها لفصائل متمردة لا قضية لها، ولا تقبل بمساومات الأشقاء المُنقذين شكليًا، وأصحاب الأهداف المبطنة، التي تتجلى مع طول فترة الحرب، على الحكومة أن تصمد في وجه الأعاصير السياسية، والعمل على إرساء مدامك تواجدها في المحافظات المحررة، خاصة تلك المُدينة بالولاء الوطني الخالص، كالمهرة وسقطرى وحضرموت وشبوة ومأرب وتعز، وذلك من خلال تقديم الخدمات الأساسية وتوفيرها للناس دون تنغيص، لا أن تقدم نماذج فاشلة من ذلك، وتكتفي ببرتوكول المحاصصة السياسية كأولوية قصوى، على حساب احتياجات الناس.
 
لا أتمنى أن يصل اليمنيون إلى مرحلة الإلحاد بالدولة، والإيمان بالمليشيا؛ سيشكل ذلك طمسًا للمستقبل تتحمل الحكومة الشرعية مسؤوليته، مهما حاولت التنصل، ولا أرجو لذلك أن يحدث، لأنني أتطلع لدولة تحتوي اليمنيين جميعًا، وتلبي تطلعاتهم واحدة تلو أخرى، وعلّ ذلك أن يكون.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر