كارثية اللا دولة


محمد علي محروس

  من الواضح أن العملية رُتّب لها بعناية؛ حتى يصل الوضع برمّته إلى هذه الحالة الهشة والرثة، إذ لا تستطيع حكومة تملك اعتراف العالم والمؤسسات الدولية أن تمارس مهامها على الأرض، ولا تملك أي عوامل حقيقية تمنحها أفضلية الحضور ولو بشكل صوري أمام أبناء شعبها.. لكم أن تتخيلوا هذه النتيجة المبهرة للتحالف العربي في اليمن، بعد أربع سنوات من التدخل العسكري الذي كان على رأس أهدافه إعادة الشرعية وتمكينها من الحكم في البلاد!

بعد السنوات العجاف، التي شابتها العديد من الأخطاء الجسيمة، يعيش اليمنيون على وقع مفزع للغاية، فقط لمجرد التفكير فيما آلت إليه الأوضاع مؤخرًا؛ حيث للدولة عاصمتان وحكومتان وثلاثة أطراف يتناوشون بينهم بعناية ورعاية إقليمية تعمل على إعادة فرز الأوراق وبعثرتها بما يضمن لها حضورًا على المدى البعيد، للعب أدوار مبهمة تمنع البلاد من العودة إلى موئلها الجمهوري الواحد، وتقف في وجه تشكيل اليمن الاتحادي في ضوء المرجعيات المتفق عليها، وما تضمنته مخرجات الحوار الوطني.

عمليتان عسكريتان على مستوى عالي من العدة والعتاد والإعداد، آلاف الطلعات الجويّة، آلاف المعارك الشرسة في الميدان، أحداث كبرى وفواجع لا نهاية لها، كلها كانت تصب في مصب تمديد عمر الصراع، وتوصيل اليمنيين إلى اللا دولة، أو تفتيت بلادهم إلى عصبيات وطبقات مناطقية، يسهل التحكم بها والسيطرة عليها، حتى يتمكن اللاعبون من تنفيذ مخططاتهم بالجودة التي يريدونها وضمن مخططهم الزماني المحكم.
من كان يتوقع أن تصبح الحكومة المعترف بها مهاجرة بالكامل؟

لا أحد توقّع ذلك، وفي أسوأ الظروف كان الناس يتحدّثون عن فترات محدودة، لا كما يجري اليوم، فالحكومة لاجئة في الرياض، بكل همّها الوطني المثخن بطعنات الأشقاء المنقذين، وهي في لظى الجوار تتوجه بتوجهاتهم وتعمل بما تمليه توجيهاتهم، وبما لا يمس شيئًا من مصالحهم، وأعني هنا السعودية والإمارات على حد سواء، فهما وراء كل ما يجري لليمن واليمنيين، لهم أسبابهم ومآربهم، وليس على حكومة المنفى إلا أن تكون رديفًا سياسيًا يمثل شرعية اليمنيين، فتُستخدم كغطاء سياسي لتمرير ما تريده دولتا التحالف في البلاد، وحين يؤذن لها بتسجيل موقف، تكتفي ببيان، جلّه شكر وامتنان للتحالف والشقيقة الكبرى!

مؤلم حقًا، أن هامش الحضور الحكومي تلاشى إلى الحد الذي جعلنا كيمنيين نتوه، فلا نعرف أين العاصمة، صنعاء أم عدن؟

ولا من يمثلنا كشعب، الحوثيون أم المجلس الانتقالي أم الحكومة الشرعية؟

وأين نحن، في الجنوب أم في الشمال؟

ولا ندري ما يخبيه لنا القدر، ولا تفاهمات التحالف البينية، ولا مواقف حكومتنا العاجزة عن العودة إلى اليمن.. هل تخيلتم يا قادة البلد إلى أين وصل اليمنيون من التيه والتشتت بفعل حالة الضعف التي أنتم فيها؟!

كان يجب على من طلب من التحالف العربي التدخل في اليمن أن يكون ضمن اتفاق مكتوب، محدد الأهداف، مزمّن المدة، في إطار المحافظات التي تعرضت لعدوان مليشيا الحوثي، وبحضور ندّي للحكومة اليمنية، لا حضور التابع، الذي يسمع ويطيع، بهذا كان يمكننا أن نعيد الكرّة مرة ومرتين، وسنكون قد عدنا إلى صنعاء، ورسمنا ملامح الدولة الاتحادية، وذلك كان سيكون واقعنا إن لم نقع في فخ التحالف العربي، الذي فتحنا له الباب على مصراعيه، ومنحناه الثقة، والضوء الدستوري، وعلّقنا معه مشاعرنا، حتى أوقعنا جميعًا في شرك الخذلان، وذقنا مرارته، وبتنا على وشك انهيار شامل، بفعل تدخل التحالف المنقذ!

هل يستوعب السعوديون ما حدث في اليمن بسببهم؟ هل يستوعبون أنهم أكبر المتضررين من حالة اللا دولة التي أوصلوا البلاد إليها بعد سنوات من الترويج لتدخلهم العسكري العقيم؟ ليتهم يدركون أن اللا دولة في اليمن كارثية بامتياز، وتؤسس لموجة من الفوضى لا ولن تكون السعودية بمنأى عنها، مهما حاولت صدّها أو الوقوف في وجهها، ليتها تدرك، وتعيد ترتيب أوراقها وأولوياتها وحيدة دون الركون إلى شركاء لهم مآربهم التي تُحرق المنطقة برمتها!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر