مراكز التفخيخ الفكري!


محمد علي محروس

  لم يكتفوا بتشويه الحاضر اليمني، وطمس معالم ماضيه العتيق، تمادوا لما هو أكثر، إنهم يوقفون عجلة الزمن عن الدوران، ويضبطون توقيتها بما تمليه أفكارهم الزائغة، ومآربهم السوداء، فلا مستقبل لهم، يعون ذلك جيدًا، لذلك يعملون بكل ما أوتوا من قوة لضمان أن يتوقف تاريخ اليمن عندهم، وما يحملون في جعبتهم من أوهام الإنقاذ، وادعاءات النضال والكفاح، والبطولات الصورية التي لا تتعدى حقيقتها مقدار ما تقوله أفواههم!

هؤلاء هم الذين لا يألون جهدًا في تحويل الجمال اليمني إلى قبح دائم، ولا يقبلون بأي لون سوى الأحمر القاني، رغم أن الأخضر يمثلهم، كما يدعون، ولكنهم لم يتركوا سبيلًا إليه إلا قطعوه، وكل من وسوست له نفسه بأن يحلم، وأدوا حلمه وهو في المهد، فإلى الجبهات ناداني ربي، للعوام، ولهم الحكم والسيطرة والأموال الطائلة التي يجنونها من حملات الانتهاز وانتهاكاتهم اليومية في حق العوام..

قسرًا، يفرضون على أولياء الأمور في مناطق سيطرتهم، إخراج أبنائهم من السادسة وحتى السادسة عشر من العمر إلى مراكزهم الصيفية، أو ما يمكن تسميتها بالمعسكرات الصيفية؛ نظرًا للكم الهائل من الاهتمام الذي خصوا به هذه المراكز، والتحشيد الكبير، والاستعداد الذي استمر شهورًا عديدة، بأيامها ولياليها، وميزانية الـ500 مليون المخصصة لإنجاز وإنجاح مشروع تفخيخ المستقبل اليمني، بما يبثونه من أفكار قاتلة، لا تعرف سوى الزيغ، وإقصاء الطرف الآخر من الوجود، ضمن مشروعهم القائم على الصراع الصفري، الرامي للفتك بكل من يخالف رؤاهم، ويواجه طموحاتهم، ويحاول إعادتهم إلى المسار الوطني الجامع والضامن لحقوق جميع اليمنيين.

لا يوجد يمني سوي الفطرة، سيقبل بتدمير مستقبل أبنائه، وتغليف عقول أطفاله، بإملاءات فضفاضة، تنهي حياتهم العلمية ومشوارهم العملي وهم في مهد الحياة، لا أظن بأن اليمنيين سيستمر صمتهم طويلًا أمام عصابة مزقت وطنهم، وحوّلت وجودهم إلى جحيم معاناة، وشظتهم، وشردتهم، وباعدت بين أسفارهم؛ لتبقى ذات وهج دائم، وكلمة مسموعة، وسلطة مطلقة، آمرة، ناهية، وكل من يقف في وجهها، مصيره الموت الآني، بأبشع طريقة.. من يقف في وجه مخططاتهم، فقد حكم على نفسه بالفناء، في سبيل استمرار جماعة السلالة المقدسة، التي تزداد زخمًا بأموال اليمنيين، وتزداد نضارةً، بما تسفكه من دماء الأبرياء في كل محافظات الجمهورية، في إطار حرب مجهولة السبب والهدف!

أكثر من 3500 مركز صيفي، وما يزيد عن 250 ألف طالب وطالبة، في مستويات خمسة، هؤلاء جميعًا، باتوا قنابل موقوتة، ستفعّلهم الميليشيا عند الحاجة إليهم، وهي التي لا تضع حسابًا لقوانين الطفولة ولا لحقوق الإنسان، وتجتاز كل ذلك أمام مرأى ومسمع العالم، وسط تصفيق أممي حار، تؤكده مقرات المنظمات المحورية في صنعاء، وغض الطرف عما يحدث في الحديدة، وصعوبة التعليق على أي جريمة ترتكبها بحق المدنيين في تعز، المدينة المحاصرة منذ أربع سنوات، دون إرادة دولية لفك الحصار، ولو لدواعٍ إنسانية!

المحاولات المضنية للميليشيا الحوثية لتحويل اليمني إلى آلة تابعة، تتحكم فيها كيفما تشاء، ليست وليدة اللحظة، بل ممتدة لعقود، وهي مرفوضة بشكل قطعي، وإلا لكانت محل ترحيب في كل البلاد، رغم محاولات التشويش بواسطة زراعة الأفكار الكهنوتية عبر مناهجهم التعليمية التي ألفوها وطبعوها ووفروها، في إطار مخططاتهم التخريبية، الرامية لتفخيخ الحاضر والقضاء تمامًا على مستقبل البلاد، ألم أقل لكم بأنهم لا يريدون للزمن أن يمضي، بل يعملون لتوقيته بهم، وتوقيفه عندهم؟!

يجدر بالحكومة الشرعية ونوافذها التي تطل من خلالها على اليمنيين أن تبدو أكثر تماسكًا؛ حتى يتعلق اليمنيون بالقشة المتبقية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، على وسائل الإعلام بكافة جوانبها أن تحشد إمكانياتها لكشف ما ترمي إليه المليشيا، والعمل لإقناع أرباب الأسر على مناقشة أطفالهم وتوجيههم التوجيه السليم، على قادة الرأي والمفكرين والنخب أن يكونوا أكثر جدية تجاه مجتمعاتهم، وشبابهم، وأطفالهم، من اجل يمن يحتوي الجميع، لا قداسة فيه سوى للإنسان، بعيدًا عن لونه وانتمائه ومعتقده.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر