الرئيس الانتهازي!


محمد علي محروس

ربما نظن جزافًا أن المنطقة تمر بمنعطف طارئ؛ جراء تراكمات الأحداث في دولها ذات الخلفيات الاجتماعية المُحافِظة، والمتماسكة، بالنظر إلى قواعدها الثقافية المتنوعة، وأصولها التاريخية المتعاقبة منذ آلاف السنين.
 
ولا نستثني أيضًا، القفزات التحولية للدول ذات النشأة الحديثة، التي ارتمت فجأة في أحضان التقدمية، دون أية خطوات مدروسة، فقط لتحمي نفسها من عوامل التعرية الافتراضية، دون أي تقدم فعلي، إلا ما ندر!
 
تلونتِ الولايات المتحدة بألوان عديدة، وابتكرت أحداثًا لا تُعد ولا تحصى؛ لتبقى المنطقة في اشتعال دائم، وما كان لذلك أن يكون إلا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، والقضاء على أدواته التي استمد منها قوته، لتتحول إلى الشرق الأوسط، بغية الاختلاء وتحقيق كل ما رسمته الدولة الأم "بريطانيا"، طوال فترة استعمارها لمجمل الدول.
 
مثّل وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في الـ 20 من يناير 2017م، فرصةً حقيقية لإبراز الوجه الفعلي لأمريكا، من خلال أطروحاته ورؤاه المستفزة، وبرنامجه الانتخابي الذي حشاه بمشاريع كبيرة تستهدف العمق الأمريكي، ويستنجد بمناطقه الاستثمارية في بلدان النفط لتمويلها، سواء بدفع فواتير الحماية، أو بشراء أسلحة من خلال صفقات شبه إجبارية، وبيده مفاتيح كل شيء يخص تلك الدول.
 
يُعد ترمب يمينيًا متطرفًا، لا تهمه عواقب أفعاله، ولا أي مصلحة لحلفائه، سوى أن تكون أمريكا ذات الفعل والفاعلية، وهي صفة علقت برؤساء أمريكا الجمهوريين، إذ لا يملكون مساحات واسعة على مستوى التفكير واتخاذ القرار، وإن كانت منهجيتهم مشتركة في إحداث المشاكل وصناعة الحروب بأنواعها، من أجل رفعة وسمو أمريكا، وليس لهم من ذلك الأمر شيئًا، سوى الحفاظ على سمعة الدولة الأقوى في العالم كما يقولون.
 
رئيسٌ انتهازي، لا يألوا جهدًا في صناعة الفرص للحصول على مبتغاه، وحين تعقدت أكثر، فتح الباب على مصراعيه لقلاقل جديدة في المنطقة، فإسرائيل وإيران، تعملان إلى جنب، من أجل أمريكا، وإن كانت الأولى ذات بون شاسع في المعتقد والجغرافيا، فإنها باتت اليوم صديقةً ودودةً لكثير من الأنظمة العربية الإسلامية، أما الثانية فاخترقت الضواحي، وصنعت لها أقليات مناصرة، ثم جعلت منهم أدوات هدم لبلدانهم، ولاعبين أقوياء لتحقيق إرادتها العقائدية وتنفيذ المخطط الأمريكي الذي يتخذ من الأقليات مطيةً انتهازية للحصول على ما يريد!
 
مؤخرًا، بلغ الخلاف الأمريكي الإيراني ذروته، بعد أن نقض ترمب الاتفاق النووي مع إيران من طرف واحد، معللًا ذلك بأنه لا يخدم أمريكا وفلسفتها العالمية كقوة كبرى، وبأن إيران مستفيدة منه، وتخترقه دون أي اعتبار للدول الأخرى، وصنع من ذلك وضعًا مختلفًا، كاد أن يعلن الحرب، قبل أن يخف التوتر بعد تدخلات إقليمية ودولية، ولكنه ما زال مصرًا على العقوبات التي أعاد تحفيزها، متوعدًا كل من تعامل معها بعقوبات شبيهة، والحال أيضًا مع الصين، حين افتعل أزمةً من العدم.
 
هو هكذا، يُدير دولته من منصة تويتر، يُغرّد بقرارات فضفاضة، ويصطنع مناوشاته مع هذا وهذا، "الذي جاء إلينا بوصفه القائد الأعلى للمتهربين من الخدمة العسكرية الإلزامية، للاحتفال بالذكرى السبعين لمعركة النورماندي، إلى مباركة بوريس جونسون شخصيًا كخليفة لتيريزا ماي"، هكذا وصفه ماثيو نورمان، بمقاله الأسبوعي في الإندنبندنت، مشيرًا إلى أن ترمب تهرب من العسكرية الإلزامية، وبات اليوم رئيسًا لأمريكا بأبعاد تطرفية، وهو ما عنى به التقارب مع بوريس جونسون، وزير خارجية بريطانيا السابق، وأبرز اليمينيين المتطرفين في حزب ماي المستقيلة، والذي كان أبرز مستقبليه في زيارته الأخيرة للمملكة المتحدة.

نظرةٌ أخرى لترمب في المنطقة، تارةً يعتبرها ساحة صراع مفتوحة مع إيران وأذرعها المسلحة، ومن هذا المدخل التخويفي يبيع أسلحة بصفقات هستيرية لحلفائه المتخوفين من الأذرع الإيرانية، والخاضعين لسلطاته، وتارةً يجيز لفتاة أمريكا المدللة "إسرائيل" بأراضي الجولان والقدس، وكأنهما ملك أبيه، ويزيد على ذلك بصناعة صفقة القرن المشؤومة، والتي يُشرف على تنفيذها صهره ومستشاره كوشنر، وسط ترحيب غير اعتيادي من حواضره النفطية المعروفة، ومن حلفائه الذين ينظرون إليه كمخلّص لهم من شرر إيران المتطاير، فيما لا يعدو عن كونه انتهازي كبير، يقتنص الفرص، ويستغل أية وسائل لمنفعة أمريكا وإسرائيل.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر