قمة الارتباك العربي


محمد علي محروس

 لا يأتي الزعماء العرب بجديد كلما اجتمعوا، بل يدشنون مراحل جديدة من الخلافات والتباينات الغير مفهومة إطلاقًا، وهذا ديدن القمم العربية منذ انطلاقها، إذ لا يتمخض عنها توافق ولا قرارات ذات جدوى، ولا يستفيد المواطن العربي منها شيئًا سوى صور النوم العميق الذي يغط فيه عدد من الزعماء أثناء انعقاد القمة، وكأنها فرصة لالتقاط أنفاسهم؛ ليأخذوا قسطًا من الراحة، كيف لا، وهم المنهمكون في مصالح شعوبهم، وتلبية تطلعات مواطنيهم، ليل نهار، ولو كلفهم ذلك أرواحهم، حتى أنهم يستخدمون في سبيل ذلك الحديد والنار!

لم يستجد جديد في الدورة الثلاثين التي استضافتها تونس، الجديد في القمة أن أعمار الزعماء العرب زادت سنة، حال عليهم الحول ولم يفعلوا لشعوبهم ما وعدوهم به في الدورة السابقة، وفي عشرات الدورات التي أخذت الحكم من بعضها البعض، فشلًا، وضحكًا على عقول عشرات الملايين العرب.

في كل دورة لها تلاحق القمة العربية مبادرة السلام مع إسرائيل، منذ قمة بيروت 2004 ومبادرة السلام معلقة، لا أمريكا تبنتها، ولا إسرائيل عبرتها، وزعماؤنا متمسكون بها كحل نهائي للقضية الفلسطينية، ومعها يغنون أوبريت الحلم العربي، الذي تحول بفعل سياسات بعضهم إلى كابوس أشعلوا به دولًا برمتها!

البيانات الختامية المعدة سلفًا، دائمًا ما يكون لها نصيب الأسد من التقاط أضواء القمم العربية، فهي تأتي بما هو متوقع، ولا تستحق ممن أصدروها عبء القراءة ولا حبر الطباعة، وهذه مادة دسمة لسخرية الإعلام العالمي والعربي، إضافة للخلافات البينية التي تزيد من قمة لأخرى، على وقع التباينات الحاصلة: أيهم يكون للقوى الدولية أقرب؟ وأيهم يحظى بثقتهم ويحقق لهم مصالحهم؟

شدد الزعماء على أنه لا حل للنزاع العربي الإسرائيلي إلا بدولة فلسطينية ذات سيادة، ولكن هل يؤمنون حق الإيمان بذلك؟ هل يسعون فعليًا لتكون هناك دولة فلسطينية؟ أم أنهم يتسابقون سرًا وجهرًا للتطبيع مع إسرائيل؟ ويمنحوها الحق الشرعي في الخارطة العربية، مع امتيازات أخرى كجار نوعي هدفه الأسمى اجتثاثك والحلول مكانك مهما كلفه ذلك، إذ لا يعبئ بالوسيلة التي سيعمل من خلالها على إقصائك وإنهاء وجودك، ولعل مسرحية داعش وصناعة الإرهاب والحرب المصطنعة بين الطائفتين الشيعية والسنية ونحو ذلك من وسائل إعادة رسم الديموغرافية العربية دليل قطعي على ما تريد إسرائيل فعله وبرعاية أمريكية شاملة!

يعي زعماء عرب كثيرون هذه الحقيقة، التي باتت تعرف بصفقة القرن، في محاولة أمريكية لشرعنتها والعمل على إنجازها في زمن قياسي، ويعمل بعضٌ من موجهي الرأي العربي وبإيعاز من أنظمتهم على تبنيها ودعوة الشارع لاستساغتها كحل جذري لأزمات الشرق الأوسط برمته وليست فلسطين وحدها، وهذه جريمة بشعة في الحق الإنساني لشعب صودرت أرضه وهويته وثقافته وضُيق عليه الخناق ليُحشر في قطعتي أرض منفصلتين عن بعضهما تحت إدارة السلطة الفلسطينية المشكلة على وقع اتفاق أوسلو الذي بدد فرص السلام حين أعلن صناعته!

اتفق الزعماء على أن الجولان أرض سورية عربية محتلة، واستنكروا ما فعله ترمب، وهل يملكون أكثر من أن يستنكروا، فتلك أقسى ردة فعل متوقعة، إذ ما كان لترمب أن يقر بأحقية إسرائيل في الجولان لولا الموافقة المسبقة وتأكده من خلو الموقف العربي من أي ردة فعل مساوية لفعله الفاضح!

أضحكني أبو الغيط كثيرًا، فأمين عام الجامعة العربية شن هجومًا لاذعًا على تركيا، دونًا عن إيران وإسرائيل، واتهمها باتهامات تبدو أنها إملاءات خارجة عن سياق التوافق العربي، ولا تعبر إلا عن توجهات دول بعينها تجاه التوهج التركي الحاصل، ويغض الطرف عن الحرائق التي تشعلها إيران بشكل يومي في الجسد العربي، وعن إسرائيل ذات الفعل الأنكى بحق العرب من سبعة عقود كاملة...

افتقدت القذافي، فهو الوحيد الذي كان يضفي للقمة نكهة مميزة، بقفشاته ونكاته، وباصطناعه للخلافات العدمية، وبكلماته التي كنا نعدها جنونية، ثم ما لبثت أن أصبحت واقعًا نعايشه، وحدث ما حدث من أزمات واختلالات ما كان يتحدث بها سواه وكأنه اطلع على كل ما سيجري مسبقًا.

شخصيًا، لا تعني لي القمم العربية شيئًا، غير أنها بروتوكول لزم انعقاده، لتبادل الكلام عن قرب، والتقاط الصور التذكارية كل عام، أما ما ميز قمة تونس عن القمم الأخرى فهو أنها قمة للارتباك العربي الحاصل، ومصيرها الذي لم يختلف عن سابقاتها.. فهل هناك من يعلق على القمم العربية آمالًا؟!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر