مفاوضات الدُّمى اليمنية!


محمد علي محروس

يقول المثل اليمني: ما أسهل الحرب على المتفرجين.. كان هذا المثل شاهدًا على حروب حقيقية، لها أخلاقها التي تستثني الأعراف والتقاليد والعادات والمرأة والطفل، أما اليوم، فكل شيء تبدّل، فالأعراف والعادات والتقاليد هي التي تتقاتل بينها البين، وتُتخذ مبررًا ومطيةً للوصول إلى غايات المتحاربين الغير مفهومة.
 
نعم، ما أسهل الحرب على المتحاربين، وما أصعبها على المتفرجين، هذه هي الصيغة الواقعية لما نعيشه اليوم، فالمتحاربون يقومون بفعل كل ما يحلو لهم، ويحصلون على كل ما يريدونه من طرفي التأييد، ويجدون ضالتهم في ما يرتكبونه مجتمعين بحق الإنسان والكيان اليمني برمته، لذا كان لا بد من توصيف الوضع بهذا الشكل الذي يؤكد بأن الحرب اليمنية صفقة كبرى أبرمتها القوى الدولية بينها البين، وسلمتها للاعبيها الإقليميين من أجل التنفيذ بحسب الآلية التنفيذية المُزمّنة، ومنهم إلى الأطراف المحلية، التي تسمع وتطيع دون مناقشة؛ فالأمر علوي مُلزم، والمناقشة عبارة عن رفض أولي يستوجب التصنيف والمحاسبة وربما الإقصاء، لذا يفضل الطرفان شمالًا وجنوبًا ألا يناقشا، بل يُنفذا وبصورة أقسى مما هو مطلوب، فرضا كبرائهم غايةٌ يقصدون إدراكها، مهما كانت الوسائل، وغير عابئين بالنتائج!
 
مر شهران على مشاورات السويد، وما تمخضت عنها من تفاهمات واتفاقيات محدودة التنفيذ ضمن إطار أممي مُزمّن اتفق عليه الطرفان، على إثر ذلك قاد المبعوث الأممي جولات مكوكية من الترضيات لمسؤولي النزاع في طهران والرياض وصنعاء وعدن وحتى مسقط وأبو ظبي، ليخلص إلى اجتماعات أولية، تناقش كافة المهام المناطة على الجانبين، سواء فيما يتعلق بإعادة الانتشار في الحديدة، أو الأسرى والمعتقلين، وحتى منافذ تعز الإنسانية، والأخيرة اتفقوا جميعًا بأن تبقى محاصرةً حتى إشعار آخر!
 
في وقت سابق، من هذا الشهر، قال الجنرال الهولندي كاميرت، الرئيس السابق للجنة إعادة الانتشار في الحديدة: إن مفاوضات طرفي النزاع في اليمن بخصوص إعادة الانتشار كانت تجري كلعبة الدمى الروسية، ملخصًا المشهد برمته في هذا الوصف، وكأنه يحكي قصة المفاوضات والمشاورات السابقة كلها، وله مبرراته في ذلك، حتى أنه كان يتعرض للتهديد عبر أرقام مجهولة، وهو ما جعله يعمل في ضغط رهيب، ليضطر بعدها إلى تقديم استقالته، واصفًا المشهد بالمعقد، رغم المبررات الأممية التي تنفي ذلك، ومباحثات لجنة إعادة الانتشار، شابها الكثير من التجاوزات، والاختلالات التي لا تُحتمل، خاصة من طرف جماعة الحوثي، التي استخدمت كافة الوسائل للتلاعب على كاميرت، والحصول على امتيازات قسرية، تمنحها حق السيطرة، بوجه أو بآخر، ولمّا لم تُذعن، اختير البحر كبديل للبر من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي، ولكن الفشل كان مصيرًا متوقعًا، كما جرت العادة لاجتماعات اليابسة!
 
حتى "فلترة الزمن" لدى لجنة الأسرى والمعتقلين لم تحقق شيئًا يُذكر، فكل اتفاق يُنقض، وكل اجتماع يتوصل إلى نهاية مسدودة الأفق، فالواقع يتحدث عن اختلالات كارثية، تتجاوز بأبعادها المساعي الحقيقية الضامنة لحل نهائي، وهو ما ترمي إليه الجهود الأممية، واللاعبون الدوليون، وأدواتهم الإقليمية، وأتباعهم المحليون، وهذا كله يمدد أمد الحرب، ويواصل رحلة الـ "ماتريوشكا" الروسية، ذات الأصول اليابانية، وهو حال المفاوضات اليمنية، ذات الأطر الغير يمنية، ولا تخدم إلا إعادة إذكاء الصراع، وتنويعه، وشموله كل المناطق اليمنية، بصور وأشكال أخرى، من مواجهات عسكرية مباشرة، وأوبئة قاتلة، وسياسة تجويع ممنهجة، وافتعال أزمات مدروسة تتماشى مع الوضع الطارئ اليمني، وذلك يتواكب مع مساري الأزمة اليمنية، مفاوضات للحل السياسي والاقتصادي وما نتج عنهما، وكوارث وأزمات صحية وإنسانية تمس الإنسان اليمني وتصيبه في مقتل، متجاوزة بذلك الحرب كلها.
 
اللعبة مصطنعة، والكل يدرك حجم المأساة، ولكنهم يسعون لتحقيق مصالحهم التي تضمن استمراريتهم كأتباع تنفيذيين للأطراف الإقليميين الفاعلين، وذلك كله ما تسير على أساسه مفاوضات اليمن، كسابقاتها في سوريا وفلسطين وليبيا، وكلها مساومات زمنية حتى الوصول إلى ما يريدونه، بعيدًا عن إنقاذ اليمنيين، واستعادة دولتهم المسلوبة أمام أعين محيطها الخليجي الثري، وبواسطة من يسعون لاستعادتها اليوم.. ولكن قومي لا يفقهون!

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر