أبعد من كونها حرب!


محمد علي محروس

غامضةٌ هذه الحرب بقدر العبث الناتج عنها، كل يوم لها وجهٌ آخر، لا يُعرفُ أوله من آخره، وكل يوم منها، يظهر لاعبون جدد، بأبجديات جديدة، وأوراق لعب طويلة المدى، ولعالع لا يستفيد من اصطناعها سوى المتخمين في صنعاء وعدن، والمرشدين ذوي الأبعاد المتوارية في الرياض وطهران، ومَن يذكي الصراع البيني لاستراتيجيات تتجاوز ديموغرافيا اليمن.
 
لا نتقن نحن اليمنيين غير ابتكار العناوين الصادمة، وبيانات المناصرة، والمناشدات التي لا تموت، والحرب الإعلامية القائمة على تراشقات مكوكية بين طرفي الصراع الظاهر، وبين المكونات المؤيدة للطرفين الداخليين، والأطراف الإقليمية ذات الصلة، دون إدراك للصراع المتخفي، الدائر بين أروقة الأمم المتحدة، المنظمة للعملية إقليميًا ودوليًا، ولا للنتائج الكارثية التي يدفع المواطنون تكاليفها الباهظة، وهل كان ذلك يعني شيئًا للحوثيين والحكومة الشرعية، قبل الحرب، وبعدها؟!
 
هناك أبعاد أخرى تتوارى خلف حرب اليمن، قد لا ندركها كاملة، لكننا في كل الأحول، نملك القدرة على استيعابها في خضم التطورات الإقليمية المتلاحقة، ومحاولات الأمم المتحدة التي تتكشف يومًا بعد يوم، في اختلاقها لمحاور جديدة، وقضايا مفتعلة من خلالها تُعرقل توجهات الحل وتُوأد أي نوايا قد تتجه هذا الاتجاه.. ارتكب المحيط الخليجي جريمة كبرى بحق اليمن واليمنيين، حين أهملها حد النسيان، وذلك كان متعمدًا، وسلمها بعد اغتيال الحمدي كجوهرة لامعة إلى يد فحّام ينفذ تعليماتهم الغير منسجمة مع تطلعات اليمنيين وطموحاتهم، التي لا تتجاوز الأمل في عيش كريم ضامن لكل الحقوق، في ظل دولة تحوي الجميع وتفرض المساواة كحل سلمي لبلد ذي تنوع مستساغ، وقابل لحلول نهائية، تضع حدًا لكل اختلالات البلد وإشكالياته العويصة.
 
لا يُراد لليمن أن تنعم باستقرار مزمن، ولا أن تلبس حُلّة التجديد، ولو بشكل غير كامل، ولا يُراد لها أن تنهض في مستوى يلبي احتياجات عشرات الملايين من السكان الجاثمين على ثروات هائلة، لم تكتشفها دولتهم المُقيدة، واكتشفتها القوى الدولية الكبرى، وحرّكت على إثر ذلك لاعبيها الإقليميين المُتصادمين لتنفيذ ما تريده منهم، بغية الحصول على امتيازات سرقة الثروات الحيوية لدولة بكر، في الوقت الذي تغرق فيه وبأيادي أبنائها في صراعات لا نهاية لها، تمامًا كما حدث للصومال، قبل الصحوة الأخيرة لأرض البخور واللبان، ألم أقل لكم أنها أبعد من كونها حرب؟!
 
أخطأ اليمنيون حين ثاروا قبل ثمان سنوات على اليد الطولى التي عبثت بمقدرات بلادهم، ومنحتهم أسوأ صيت في العالم، وجعلت منهم ممثلين لدولة يتسيدها الفشل، وصالح ذاته كان صانعًا للأزمات وللمعجزات السياسية التي تُقحم بلاده في مستنقعات من الفوضى كموئل لحركات التشدد الديني والفوضى الإقليمية، مقابل بقائه على رأس السلطة مُنفذًا لأجندة من صنعوه، وتجلّى ذلك بعد إسقاطه وتنحيّه بالقوة، عندما تصدرت دول المحيط الخليجي المشهد السياسي من أجل حل، ظهر بعد فترة قصيرة أنه مجرد تسكين مرحلي لما بعده، وهو ما بدا في عملية الانقلاب المدعومة في شكلية المظلومية الحوثية، لتصبح فيما بعد حقيقة ماثلة، مهمتها الوحيدة الانقضاض على مكتسبات اليمنيين وتحويلها إلى دولة غير قادرة على النهوض ولا حتى الفاعلية بين سكانها، وتلك فعلة السياسة التي اتخذت من هذه الحرب واجهة لتحقيق ما عجزوا عنه منذ ثورة فبراير.
 
ما يجري في حجور، هو ذاته ما حدث في دماج قبل أربع سنوات، في الأيام الأولى من زحف الحوثي نحو صنعاء، وهو ذاته ما حدث في كتاف، وهو ذاته ما حدث في عدن والبيضاء وتعز والحديدة، وما جرى للمنتفضين في إب، كل محاولات أبناء المناطق المذكورة للمواجهة والمقاومة، قُوبلت بالتهميش حينًا، وأحيانًا بالخذلان المتعمد، وتُركوا يواجهون مصيرهم المحتوم، أمام جماعة تنفذ أجندتهم كما يريدون، بعيدًا عن المعتقدات التي يحاولون إبرازها كنقطة اختلاف جوهرية تقف وراء حالة الحرب المستمرة.
 
هناك أبعد من هذا الوضع، يتسترون عليه بالحرب، ويدفع الضريبة الشعب، فيما قادة الحرب المحليين يتعاملون مع الوضع كحرب ويحصلون على ما يريدونه باسم الحرب، وهناك ما هو أبعد من الحرب، لا تعرفه سوى دول الخليج وإيران، والقوى الكبرى، ومنظمة الأمم المتحدة، ولعل ما يجري حولنا من تغييرات كبرى على مستوى السياسة والاقتصاد والثقافة يوصلنا إلى المتاهة التي تحوي سر حرب اليمن، ذات الأبعاد التي لا حدود لها!

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر