التحالف العربي ونوعية التدخل


محمد علي محروس

 لا يملك التحالف العربي أذرعًا ذات باع طويل على مستوى نقل وإدارة المعركة إعلاميا، أو حتى تلك التي تستطيع الوصول إلى عامة الناس؛ لتصنع التأثير المأمول، مما قد يسهل مهام استعادة البلاد إذا ما أضفنا ذلك إلى سجلات الانتهاكات الحوثية بحق المواطنين، وتلك برأيي منقصة في حق تحالف يملك المال والكادر لصنع فوارق هائلة وهالة إعلامية غير محدودة في إطار إثارة الرعب ونقل انتهاكات المليشيا والتفوق في رسم صورة عن اليمن المثخنة بجراح المليشيا.

الحكومة الشرعية ذات المساحة الكبيرة من خارطة البلاد، والمسيطرة صوريًا على المنافذ الإستراتيجية والموانئ المهمّة، تفتقد للآلية التي تحقق لها فوارقَ حقيقية في استخدام الوسيلة، إذ تمتلك كافة المؤيدات الجوهرية، ولها قيمة عالمية من خلال الاعتراف بها كحكومة شرعية ممثلة للشعب اليمني، لكن ذلك كله بحسبة الواقع لا يعدو كونه غثاءً كغثاء السيل، وربما أكثر.

حتى التحالف العربي العسكري، المتكون من دول عدة، والمساند الرئيس للحكومة الشرعية، والمتدخل بنية الإنقاذ، التي برهنها من خلال تدخل وصفته قياداته حينها بالحاسم، وضل طريقه من يومها، ليتلون هذا التدخل ويتشكل حسب المراحل التي مرت بها اليمن منذ انقلاب سبتمبر2014.. أعْجبُ ما في مبررات التدخل العربي: أن ذلك يمثل استجابةً لليمنيين، وإنقاذًا لهم من وحشية المليشيا المدعومة هي الأخرى من قوى إقليمية، بما لا يدع مجالًا لتدخل أجنبي كالذي يجري في سوريا، بعد تدويل قضيتها.

 لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، فالمماطلة في الحسم، وتنافر المتعاونين المحليين، وكفرهم بقضيتهم الفعلية، وتنوّع المصالح، وانحراف هدف التحالف في تخليص اليمنيين من أزمتهم الأسوأ في تاريخهم، أوصل البلاد إلى مستنقع من الفوضى على كافة المستويات، بما في ذلك الوصول إلى تدويل القضية اليمنية التي باتت همًا وحيدًا للقوى العالمية والأمم المتحدة، بعد تسليم سوريا على طبق من ذهب للأسد وحليفيه الاستراتيجيين" إيران، وروسيا"، وسط استسلام عربي لما آلت إليه سوريا المثخنة بالجراح.

الخطابات الرنانة لزعماء الخليج والدول المتحالفة معها يومها، وبيانات المؤسسات الرسمية التابعة لها من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، ومؤتمرات العسيري الصحفية اليومية، وعمليتا الحزم والأمل، كلها محاولات لم تتضح معالمها مع استفحال اليمن في أزمتها، واستعصاء حلها رغم المحاولات الحثيثة، فلا الحكومة تمكنت، ولا آفاق للحل لاحت، فالحوثيون صامدون، ويزدادون تمكنًا يومًا بعد يوم، وكأنهم يواكبون مشيئة التحالف، التي لم يعد اليمنيون يفقهون منها شيئا!

على مدى يومين والتحالف العربي عبر قنواته الإعلامية يشن ما يمكن اعتبارها حربًا إعلامية متأخرة على الحوثيين، بإعلانه عن عملية نوعية لاستهداف قواعد وورش تصنيع الطائرات المسيرة التابعة لمليشيات الحوثي..

على الرغم من أهمية العملية من باب وأد الإمكانات المتطورة للحوثيين، إلا إنني كيمني، اعتبرها خطوة تجاوزها الزمن بمراحل؛ فالحوثيون يستخدمون التقنيات المتاحة ويطوعونها لتحقيق أهدافهم العسكرية أولاً بأول، وذلك منذ بدء الحرب، وهذا ما يجعل العملية النوعية للتحالف في صنعاء خاليةً من الدسم، لا طعم لها ولا رائحة، ولا تحظى بذلك الزخم الشعبي المساند، كما جرت العادة مع كل إعلان عن عملية عسكرية أو نوعية سابقة.

إن حالة الفشل التي تسيطر على التدخل العسكري في اليمن، مصحوبة بمؤشرات حقيقية على الأرض، فالتدخل الإنساني الطارئ لإنقاذ الملايين من الجوع، لم يحد من ذلك شيئًا، بل فاقم المشكلة، وعزز من حضورها في مناطق جديدة، لتنظم إلى قائمة الجوع خلال فترة الحرب، وصنعَ العديد من الفجوات بين المجتمع والشركاء المنفذين على مستوى الإغاثة الغذائية و الصحية، وأماط اللثام عن فساد مدوٍ في هذا الملف، يتحمله الجميع، وفي مقدمتهم الدول الداعمة، التي عجزت عن وضع معايير وآليات عمل تنظم مِنَحَها ومشاريعها الإغاثية الإنقاذية ،حيث لم تثق في الحكومة الشرعية كجهة تنفيذية يمكن من خلال هذه العمليات الإنسانية إحياء دور المؤسسات المشلولة، وإعادة تفعيلها لخدمة المواطن، ولم تمنحها حق الإشراف المباشر وكذا عمليات ترميم الاقتصاد اليمني المعلن عنها، هي الأخرى ألقت باقتصاد البلاد في وحل لم يستطع الخروج منه إلى اليوم، وأبرز دلائل ذلك انهيار العملة اليمنية انهيارًا مدويًا في النصف الثاني من عام 2018، وعجز الحكومة الشرعية عن تشغيل حقول النفط والغاز وإعادة التصدير بالطاقة الكاملة، بفعل فاعل لا يريد للبلاد أن تتعافى على المدى القريب!

لم نعد ندرك ما يريده التحالف من اليمن، ولم يعد هناك دور حقيقي نؤمله فيه للقيام به على أكمل وجه.. يكفي أننا نخوض في دائرة مفروغة، ذات الادوار، وذات المسارات، دون نهاية تُذكر، ولا جديد سوى المزيد من الأزمات الإنسانية المستفحلة، وتقارير الفشل الدولية، وتنبؤات الكوارث من مجاعة وأوبئة متفشية، وحوارات عقيمة، وممارسات قمعية في مناطق سيطرة الشرعية، واستئثار قسري بموارد البلاد وموانئه الاستراتيجية.. هي حالة يمنية من وجهين، وجه يعبّر عنه الحوثيون، والآخر يمثله التحالف وأدواته، وكلاهما قاتمان، لا يريدان لهذه الأرض أن تحيا، ولا لأهلها أن يعيشوا في كرامة وحرية.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر