يركضون في اللا شيء!


محمد علي محروس

  كحال سياسيي هذا البلد يبدو رياضيوه، العلاقة تكاملية للغاية، ففي كل مشاركة للمنتخب الأول، تكون النتائج الثقيلة المخيبة للآمال، مع الأداء الكارثي سيدان للموقف، لا نشعر بأن هناك شيئًا جديدًا من مشاركة إلى أخرى.

كل ما هو جديد في كأس آسيا 2019 بالنسبة لنا كيمنيين يتمثل في كون المشاركة هي الأولى في تاريخ اليمن الموحد بعد مشاركة منتخب جنوب اليمن في نهائيات 1976، وكانت هي الأخرى مخيبة للآمال.

المهم أن يُعزف النشيد، ويُرفرف العلم، وتحضر اليمن المحفل الكروي الأهم على مستوى القارة الصفراء، بغض النظر عن نتائج مبارياته التي لم تبتعد كثيرًا عن نتائج منتخب جنوب اليمن الذي خسر يومها من إيران والعراق على التوالي بنتيجة 8/0 و1/0، وهما ذات المنتخبين اللذين واجههما في جولتيه الأوليين من نسخة 2019 ليلقى ذات المصير بخسارتين مدويتين من إيران 5/0 ومن العراق 3/0، مكتفيًا بشرف المشاركة وملء خانة التأهل التي حجزها معية الفلبين في التصفيات التمهيدية للبطولة.

بعيدًا عن شوارد الملعب، وتحليلات اللعب، لا بد من الإشارة إلى حماسة اليمنيين والتفافهم حول منتخبهم الكروي، رغم ما يعانونه ويواجهونه على مستوى حياتهم اليومية، إذ يحدق الخطر من كل جانب، ولا يزالون يلتقون عند أول نقطة جامعة، تحت مظلة العلم، يرددون النشيد، ويذرفون الدموع، وينشجون أمنياتهم التي صادرتها الحرب، ومنها منتخب قوي ذو ندية في كل مشاركاته، وإلا لما ظهر ذلك في تشجيعهم الحماسي الذي لا ينقطع، ولا بدا من خلال صخب وسائل التواصل الاجتماعي، وردود الفعل الغير متوقعة بعد كل مباراة.
لا بد أيضًا من الإشادة بالروح اليمنية التي تميز اليمنيين أينما حلوا، فالتفاتة الجالية اليمنية في الإمارات والتفافها حول المنتخب، بعيدًا عن ما قدمه، تظل محل تقدير، تعبر عن أصالة اليمني، واعتزازه بانتمائه، وإن كانت المسافات شاسعة، والأحداث مؤلمة، ولنا قبل ذلك في خليجي 22 بالرياض دروس وعبر، وشواهد مثلى، سطرها الحدث الخليجي في صفحاته الناصعة البياض.

 لا يتفاعل اليمنيون مع معاناتهم اليومية كما يتفاعلون مع منتخبهم الكروي، إذ يتعلقون بقشة الكرة؛ علها تصنع لهم فرحة غيبتها الحرب والخلافات السياسية منذ نحو عقد من الزمن، أو بالأحرى عقدين، حين تأهل منتخب اليمن للناشئين إلى كأس العالم بفنلندا عام 2003، وكنا يومها بأمس الحاجة من أجل أن نفرح.

عمومًا، لا تستثنى الحالة الكروية، والعملية الرياضية من حال اليمن، فالكل في مواجهة الوضع القائم، بما فيه من اختلالات كارثية، وكرة القدم والرياضات الأخرى تحذو حذو ما يجري في كافة أروقة صناعة القرار سواء في صنعاء أو في عدن.. فوزارة الشباب والرياضة معلولة الآخر، لا تملك حق القرار الفعلي لإعادة تفعيل الرياضة على امتداد البلاد، ولا يقتضيها الأمر الواقع كضرورة أولية من باب الاحتياج كما يقول كثيرون، وإن كان من باب أولى أن تُنظم الدورات التدريبية، والفعاليات الرياضية، بصورة تسهم في إعادة تطبيع الحياة برمتها، وإرسال رسائل إيجابية لصناعة السلام وإعادة اليمن إلى روح البناء والتنمية.

إضافة لوزارة الشباب والرياضة يكمن الخلل في اتحاد كرة القدم، المغيب كذلك عن القيام بمهامه على أكمل وجه، مهما كانت الظروف، وبما هو متاح، حيث يضمن استمرار اللعبة في الدوران، بما يحقق استجابة ملموسة على مستوى أداء المنتخب الهزيل جدًا، لكن الحسابات السياسية والإدارة الغير متخصصة تتحمل نتائج ما نشاهده اليوم جراء توقف النشاط الكروي، الذي يمكنه العودة رغمًا عن الملاعب المدمرة، والصالات التي خُرّبت، فإمكانية لعب كرة القدم متوفرة دون اشتراطات ضاهية.

يركضون في اللا شيء، شأنهم شأن المتحاربين في شقي البلاد، وحالهم كحال السياسة التائهة دون حلول نهائية، ولا يبتعدون كثيرًا عن مسارات الحرب التي صنعت كل هذه الفوضى، فهم كنحن، ضحايا، والمتسبب لا زال يعبث بكل ما له صلة بالحياة، ويدمر البلاد بناءً على حسبة معينة، رياضيًا، وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا  وثقافيًا وحتى عسكريًا، فحالنا لا يعطي مؤشرات لنجاة أوشكت أن تنقذنا من وضع مأساوي، بل هناك مؤشرات سلبية في ظل التباين الحاصل على مستوى الرؤى والمواقف تجاه كل ما بإمكانه أن يوصلنا إلى نقطة التقاء لوضع حد للمسرحية المستمرة منذ أربع سنوات، إنها مسرحية الركض نحو اللا شيء، فقط معاناة مستمرة، وقتل وتدمير وتشريد، وأزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، ولا نزال جميعًا نركض في اللا شيء، ونعيب على لاعبي منتخبنا ذلك، وهم لا يمثلون سوى اليمن، وحالها الذي لا يخفى على أحد.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر