آلية حل أم صراعٌ مديد؟


محمد علي محروس

ما يجري في ستوكهولم يعيد لأذهان اليمنيين سيناريوهات سابقة، وتجارب لا نهاية لها، ضمن مسلسل كسب الوقت الذي يتفنن الحوثيون في إعادة إنتاجه من وقت لآخر؛ حتى يتمكنوا من التقاط أنفاسهم والبدء في صناعة مشاهد جديدة في تاريخ اليمن، من دمار، وقتل، وتشريد، وجوع، وأزمات متنوعة ما خطرت على بال أحد، وذلك ما دأبوا عليه منذ حروب صعدة الستة مرورًا بالجوف وعمران وحجة وحتى صنعاء، ومن ثم كرة النار التي تدحرجت لتشعل اليمن برمتها.

صوَريًا، يعتبر المبعوث الأممي وصول وفد الحوثيين إلى السويد، إنجازًا أوليًا للاستمرار في مباحثات يعدها كثيرون ذات فشل مسبق؛ عطفًا على التراشق المتبادل، والشروط المعقدة التي يطرحها الطرفان، إضافةً إلى حالة الاستقطاب العسكري الحاد على الأرض.

ضمنيًا، لا تبدو البداية مبشرةً لإيجاد حل نهائي للوضع القائم منذ انقلاب سبتمبر 2014م؛ إذ يحاول الحوثيون التملص عن فك أسر المختطفين، معللين ذلك بعدم وجود كشوفات نهائية بأسماء المختطفين، حيث لم يسلم وفد الشرعية ذلك حتى اللحظة، لأسباب، على رأسها: استمرار عملية الاختطاف اليومي من قبل المليشيا.

في واقع الأمر، تشكل التعقيدات الأولية معضلةً حقيقية أمام التكهن بنجاح المشاورات، فكل طرف يلقي التهمة على الآخر، ويحمله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع كلها، فيما يدرك العالم أجمع أن الحوثيين وراء الحالة السوداء التي يمر بها اليمنيون منذ أربع سنوات، وتدرك قوى إقليمية ودولية بعينها أنها وراء النزق الذي افتعلته مليشيا الحوثي، وعبثت من خلاله بدولة كانت تحاول الوقوف على قدميها مسنودة بسواعد شبابها، قبل أن تضطرم النار بفعل فاعل، لتأكل الأخضر واليابس على امتداد البلد، محولةً إياه من بلد ناشئ إلى بلد فاشل.

هذه القوى تدفع اليوم لضرورة إيجاد حل سياسي عاجل، يُنهي سنوات الصراع اليمني، ويضع حدًا للحرب العبثية المصطنعة، ويوقف مأساةً إنسانيةً كارثية لم تستثنِ منزلًا إلا وطالته، وتؤسس لمرحلة جديدة تصر الحكومة الشرعية أن تكون مرجعياتها القرار الأممي والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، فيما يرفض ذلك الحوثيون ويطالبون بمرجعيات جديدة للتوافق من أجل مرحلة انتقالية مسنودة بدعم دولي، وإلى ذلك قد تذهب النهاية، نظرًا للمواربة والمحاباة التي يحظى بها الحوثيون من قبل المنظمة الدولية والقوى الكبرى.

بالعودة إلى مسار وتبعات ما يجري فإن الحوثيين متعنتون جدًا؛ فلا مصلحة لهم إن استتبت الأوضاع وطُبّعت، ولا بقاء لعملية الاسترزاق التي كسبوا من وراءها مليارات الريالات بعد أن كانوا صعاليكًا لا يملكون قوت يومهم، لذا فمن الطبيعي أن تكون مشاورات السويد حلقة جديدة لمد أمد الصراع من وجهة نظري، وما الاشتراطات المستحيلة إلا تعبيرًا عن توجه مسبق لإفشالها والوصول إلى آفاق مسدودة للحلول المرجوة شعبيًا، والمدفوعة بإرادة شرعية من قبل الحكومة، وكذا جهود المبعوث الأممي الذي يبدو أنه فاقد للحيلة، أمام التلون الحوثي، وحالة الشرود لدى الشرعية، والانقسام اللا معلن بين القوى الدولية بشأن اليمن !

من المؤلم جدًا، أن يستمر الصراع على حساب معاناة الناس الذين لا ناقة لهم فيه ولا جمل، لكنهم هم من يدفعون التكلفة، فيما أن هناك آلافًا استلذوا بالواقع الجديد، وأفردوا مساحة واسعة للتعايش معه، حتى أصبحوا تجارًا للتأجيج، وإشعال الحرب في كل رقعة على امتداد الوطن.. وهؤلاء لا يرجون لمباحثات السويد نجاحًا يُذكر، ويتمنون بقاء الأمور على حالها؛ لكسب المزيد والمزيد.

إن مرور مشاورات السويد على الطريق الشائك والعقبات الجبلية، سيدفع بالعجلة السياسية بشكل بطيء، وسيجعل من الحل شيئًا ممكنًا لدى اليمنيين، وذلك ما يبدو غير ممكن حتى الآن، فالحوثيون لا يملكون قرارًا نهائيًا لإنهاء الحرب، وهذا شأن الأداة، أما الحكومة الشرعية فلا يمكن لها التراجع عن استعادة الدولة مكتملة دون اجتزاءات مناطقية أو مذهبية، وهذا شرط سيادي لإنهاء الحرب، إذ يمثل بسط نفوذ الدولة وإعادة تفعيل مؤسساتها تحت سلطة واحدة هدفًا أسمى لإسقاط مشروع اليمن الاتحادي على أرض الواقع وطي صفحة الانقلاب إلى الأبد.

وسط هذه التراكمات المتباينة فإن السويد ستكون المحطة الأخيرة لأي محاولة حل سياسي من قبل الأمم المتحدة والقوى الدولية، فإما أن تكون هناك آلية حل سياسي ينهي خلافات الكل، ويلبي رغباتهم، وإما أن يبارك استمرار الصراع على ما هو عليه إلى أمد غير مسمى، فما بين ذلك تتأرجح اليمن، ولا شيء من ذلك تتجلّى معالمه إلى الآن.. فماذا هم صانعون؟!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر