المتلازمة الأممية في اليمن!


محمد علي محروس

لا تملك الأمم المتحدة القدرة على تنفيذ قراراتها، فهي تصدرها، وتتحول بعد ذلك إلى وسيلة ضغط، أو أداة ضابطة للإيقاع، مجرد أداة لا تتجاوز المهمة التي أسست من أجلها.

القرار 2216 الأممي بشأن اليمن، قضى بوضع حل سياسي نهائي للوضع القائم، القرار يقضي أيضًا بإلزام مليشيا الحوثي المسلحة تسليم أسلحتها للدولة ممثلة بالحكومة الشرعية، وتسليم كافة المؤسسات والمنشئات الحكومية التي سيطرت عليه المليشيا بعد انقلاب سبتمبر 2014م، كما تضمن القرار: محو كافة الإصدارات الملزمة من قبل المليشيا في حدود سيطرتها، وإعادة الأمور إلى نصابها، سياسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا، كما كانت عليه قبل الانقلاب.

بقي القرار على حالته المتجمدة في أروقة المنظمة الأممية المعنية بحل النزاعات العالمية، فيما مارست المليشيا الحوثية صنوف العذاب بحق الشعب في كافة المحافظات، بدءًا بالانقضاض على كل ما له صلة بالدولة، مرورًا إلى مصادرة حقوق الناس، والفتك بهم، والتنكيل بكل من يعارضهم سياسيًا وعقائديًا، وصولًا إلى عملية الابتزاز الشاملة.

من حين لآخر، تعين المنظمة مبعوثًا جديدًا، ذا مهام محددة، على رأسها إنهاء الحرب في اليمن، ولكن الفشل يتسيد المشهد القاتم للبلد، ويتوج حقيقة الجهود الغير مفهومة للمنظمة الأممية، فبرغم الجولات المكوكية لمبعوثيها، من بن عمر إلى ولد الشيخ إلى غريفيث، إلا إن الوضع كما هو، لا ولم يراوح مكانه.

إن المنظمة ذات القراءة المسبقة للأحداث، بدت عاجزةً عن تنفيذ أي بند من بنود القرار الدولي، حتى الاتفاق السياسي المبرم عشية الانقلاب، نسفه الحوثيون في اليوم التالي، وفرضوا حصارًا خانقًا على الرئيس هادي، واتجهوا نحو بقية المحافظات مقتحمين، أمام أعين المبعوث الأممي جمال بن عمر حينها، وبرعاية من لاعبين إقليميين لهم رؤيتهم المستقبلية التي بنوا عليها مصالحهم المؤجلة، قبل أن يتجاوز الحوثيون ذلك بمراحل، ويرتهنون لشركاء المعتقد على حساب شركاء المصلحة.

دارت الدائرة على عموم البلاد، وتهاوت محافظاتٌ عدة في معترك الصراع، بعد مواجهات وهمية حُضّر لسيناريوهاتها من قبل، وظلّت الأمم المتحدة تراقب الأحداث، وتشاهد ما يجري، كأنها أمام مسلسل درامي نسجت أحداثه بشكل مسبق، وتتأكد فقط من إمكانية التنفيذ المحكم، كما هو محدد.

في كل مرة يستهدف فيها الحوثيون مدينةً، ويرتكبون جريمةً، ويشنّون أبشع الجرائم، ويرتكبون أسوأ الانتهاكات بحق اليمنيين، فإن الأمم المتحدة لا تحرك ساكنًا، وتكتفي بالمشاهدة الصامتة، أو التعبير عن القلق على طريقة بان كي مون، أو التنديد المقتضب كما يفعل انطونيو غوتيريس، في حين أن غارةً خاطئةً للتحالف، أو قيل إنها كذلك، تُعلن على إثرها حالة الطوارئ الأممية، وتتوارد ردود الأفعال بصورة متسارعة، متضمنةً رسائل شديدة اللهجة، وملوحةً بفرض عقوبات، ومحاسبة المتسببين في ذلك، في ظاهرة ليست بغريبة على الأمم المتحدة في إطار تعاملها الناقص مع أطراف النزاع في مناطق تدخلها، رغم أن الضحايا هم أنفسهم من ذات البلد، مع اختلاف أداة التدخل، فالمعتدي الداخلي، ينفذ أجندة إقليمية بإيعاز دولي، والتحالف العربي هو الآخر يتوارى بأجندته خلف شماعة الإنقاذ التي لم يتحقق منها شيء حتى الآن، فيما تصر الأمم المتحدة على موقفها، المناوئ لإكمال عملية التحرير، والمساند كليًا لادعاءات الحوثيين، وانتهاكاتهم المزرية بحق الإنسان اليمني.

تعاني اليمن برمتها من متلازمة الأمم المتحدة فيها: النزاع مستمر، مرفود بمواقف محسوبة على الطرفين، تغذي حالة الصراع، ووسط ذلك ابتكار حملات دعائية مغلفة بالإنسانية، والأوبئة المنتشرة، ونداءات استغاثة اليمنيين من موت حتمي؛ ليحصلوا مقابل ذلك على استجابة مالية كبيرة، على ضوئها يحصلون على التمويل، مقابل فتات من ذلك، يبتغون به إنقاذ اليمنيين كما يقولون.

مؤخرًا، ألقت المنظمة الأممية بثقلها، لإيقاف عملية استعادة الحديدة، بعد أن باتت القوات الحكومية على مشارفها، معللة ذلك لتوخي الوقوع في كارثة إنسانية غير محسوبة النتائج، في ذات التوقيت ضخت إعلاميًا إلى ضرورة التدخل الفوري لتشكيل موقف دولي يرمي إلى توقيف معركة الحديدة، والدفع نحو مباحثات سياسية في السويد، وهو ما نجحت فيه حتى الآن، بالنظر إلى الجهود البريطانية التي تحظى بمباركة أمريكية، وتلقى استجابة من التحالف والشرعية من جهة، ومن مليشيا الحوثي وروافدها الإقليمية من جهة أخرى.. على النقيض تمامًا، تعيش الحديدة وسكانها حالة من الهلع، بسبب الانتهاكات الحوثية المستمرة، فالعشرات تم اعتقالهم منذ توقف المعركة، وهناك تحشيد غير مسبوق، مدعوم بالتمترس وصناعة متارس جديدة، وحفر خنادق وسط الأحياء المأهولة في الحديدة، إضافة إلى احتلال المؤسسات والمنشئات الحكومية وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، وعلاوة على ذلك تفخيخ ميناء الحديدة ذات الأهمية الإستراتيجية للبلاد برمتها.

عمومًا، لا نريد للحديدة أن تحذو حذو تعز، فتظل على حالها، عرضةً للابتزاز في المحافل الدولية، وأداةً للمناورة السياسية، فالدرس قد استخلصت عبره من تعز، ولم يعد بمقدور اليمنيين القبول بنموذج أممي جديد للاستخدام أمام العالم!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر