هيا بنا نموت !


محمد علي محروس

من مقبرة إلى مقبرة، تقود السياسة البلاد، دون أي تراجع يُذكر، فليس هناك من متضرر سوى الشعب، خصوصًا أولئك الذين لا يملكون ما يعينهم على اليوم، فما بالكم بالغد؟!
كان صالح يقودنا بالأزمات في أوج التصدير النفطي والانفتاح العالمي علينا، ولم يُشعرنا مرةً أننا سنمضي في الاتجاه الصحيح ولو لمرة واحدة، اكتفى بالوعود تلو الوعود، حتى ثار عليه الشعب، ولُفِظ بعيدًا عن السلطة.. لقد عمل جاهِدًا طوال حكمه، وبعد أنْ خُلع أن يُبقي على مشروعه الذي يقود البلاد إلى الهاوية، حتى تمكن من الوصول، بالتحالف مع مليشيا الحوثي التي استمرت فيما بدأه وتجاوزته بمراحل.

"هيا بنا نموت"، هكذا انطلق الحوثيون بشعار الصرخة الذي يحمل الموت ولا سواه، في المدن التي اجتاحوها، والقرى التي أخضعوها لسيطرتهم راغمة، بدت المسيرة الحوثية على هذه الشاكلة منذ الحرب الأولى في صعدة، تستورد الموت وتصدّره، وها هي اليوم تجتاح البلاد كلها بسوءات صالح، وتوزع الموت على الجميع دون استثناء، توزعه على الأحياء، والشوارع، والقرى، وحتى في البحار.. هذه مسيرة الموت، التي لا تضمن الحياة إلا لآل فلان وعلان، ولهم لا لغيرهم حق الحكم والسيطرة.

لم يتوانَ الحوثيون لحظةً في تحقيق ما رسموه، فإضافةً إلى تحالفهم الناجع مع صالح، باتوا أدواتٍ لقوى إقليمية لها مآربها في اليمن؛ حيث تعتبره البوابة الجنوبية للجزيرة والخليج، ومنه ستصل إلى ما تريد، حتى المُستَهدَفين، استعانوا بالحوثيين لتحقيق أهداف مرحلية، وضخوا المال والعتاد، ولكن الحوثيين لم ينقلبوا على حكم هادي وحسب، بل انقلبوا على اتفاقات اقتضت سيطرتهم المرحلية على صنعاء، وآمنوا بما تريده منهم إيران، التي توافقهم العهد والذمة والعقيدة، ودشنوا من يومها مسيرة اجتياح المدن، وإغراق البلاد في مآسٍ لا نهاية لها، وتفننوا في صناعة وسائل جديدة للموت والدمار.

لم يكتفِ الحوثيون بمسيرتهم التدميرية، بل أخذوا على عاتقهم همَّ الموت للجميع، فكونهم يستهدفون تعز بشكل يومي وبشتى أنواع الأسلحة، ومأرب وعدن والبيضاء ومحافظات أخرى، لا يعني أنهم مكتفون بذلك، إذ عمدوا إلى التجييش القسري في المحافظات التي يسيطرون عليها، ومن لم يُقتل في الجبهات، يقتلونه بأيديهم؛ لأنه رفض مطالبهم التي تقتضي ضرورة المشاركة في الحرب، وبذلك يطبّقون شعار صرختهم الذي لا يتوه عن الموت وتوزيعه بنظرهم على من يريدون وبالأسلوب الذي يريدون.
ليست الحرب وحدها من كانوا يوزعون الموت بها، بل أوقفوا رواتب موظفي الدولة، وأحالوا بنودًا عدة من بنود الصرف بعد تفريغ البنك المركزي إلى مجهودهم الحربي، فجاع الناس وزاد وضعهم سوءًا، وهذه من أهم منجزات مسيرتهم الإجرامية.
ثم ماذا؟

ثم إنهم اتجهوا نحو افتتاح مشاريع عملاقة في محافظات سيطرتهم، فالصفوة العسكرية والهاشمية منهم يشترون الأراضي الشاسعة، والعقارات الحديثة، والأسواق الكبيرة، ويتمتعون بالحياة على أكمل ما يجب، بالأموال الباهظة التي نهبوها من خزينة الدولة، فيما المشاريع التي يعملون على إنجازها بشكل يومي مع ضمان نجاحها فهي المقابر، حيث لا علاقة لهم بها، فهذه المقابر لعامة الناس دونًا عنهم، عليهم الافتتاح، وتوفير وسائل الموت، وحشد الناس بالقوة تحت شعار صرختهم الملفوف بنزواتهم ودعواتهم المفروغة، " هيا بنا نموت"!

لا يمكن البتة تجاوز هذا الوضع دون الانتهاء من حقبة الموت الحوثية؛ فالمليشيا وأعوانها وحلفاؤها هم السبب الأبرز فيما يجري اليوم من انهيار شامل على مستوى البلاد، مؤسسات الدولة معطّلة، وإمكانياتها منعدمة، وثرواتها ليست لنا، والشعب بين مطرقة صنعاء وسندان عدن، لا حياة لمن ننادي؛ المنظومة الإدارية واحدة، جلها ربت في حضن صالح، وانتهجت نهجه حيًا وميتًا: أنا ومن والاني، وهؤلاء زادوا على ذلك فصاروا هم ولا علاقة لهم بمن والاهم والموت لمن لم يوالهم!
إن انهيار الريال أمام الدولار، وموت قيمته السوقية، يشكل حالة فزع غير عادية على كل المستويات، فهذا الوضع يتجاوز بآثاره الكارثية الحرب، وكل ما حدث على مدى السنوات السابقة لا يساوي شيئًا أمام ما يحدث اليوم في ظل الانهيار المتسارع للعملة المحلية.

يتحمل الحوثيون ما وصلنا إليه بسبب حالة الاستقواء التي ظنوا أنها ستفيدهم في مرحلة السيطرة، وبالتوازي يتحمل التحالف العربي المسؤولية أيضًا، فبعض دُوله كانت داعمةً للحوثيين في المسار الأول، فلما انقلب، أعلنت عن عملية عسكرية لتصويب ما جرى، ولكنها زادت الطين بلة، وفرضت حصارًا حتى على من يقف في ذات الموقف معها، والشعب يجني ويلات الصراع وخيبات السياسة الكارثية لكافة الأطراف، أما الحكومة الشرعية فهي الضلع الأعوج في العملية، كطائر دون جناحين، لا يجرؤ حتى على التفكير بالتحليق، وهذه نقطة ضعف حكومة بن دغر التي لا تصلح حتى لمجرد مسمى حكومة!

"هيا بنا نموت"، بات الحال يؤدي في النهاية إلى هذه الجملة، فالموت أرحم لليمنيين من وضع كارثي كهذا؛ لا يجدون فيه قوت يومهم، وإن توفر فإنه يتوفر بسعر مبالغ فيه، من الصعوبة بمكان شراؤه، وذلك بفعل الانهيار المتسارع للريال، ووقوف الحكومة موقف العجز، وتخلي التحالف عنا في محنة كهذه، أما الحوثيون فهم مجموعة ابتزازية، تأخذ ما تريد عنوةً، في الوقت الذي تريد، وممن تريد، وإلا فالموت مآل كل من يقول: لا!
لن نحتمل المزيد من العناء؛ فالمأساة هي الأسوأ في العالم، والعالم يتفرج علينا نموت، وكل صاحب قدرة فقد حيلته على التعامل مع هكذا كارثة، كلٌ يشكو ما حل، ولا يوجد حلٌ في الأفق، وكأنهم جميعًا يريدون أن يوصلوا اليمنيين إلى أن يقول بعضهم لبعض: " هيا بنا نموت"، وقد أوشك هذا أن يحل.. إن لم تأخذ الحرب منحىً آخر، بالتوازي مع الفعل العسكري، تكون الحلول الاقتصادية مفعلة، فإننا نموت!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر