تعز ودائرة المعارك الصغيرة


محمد علي محروس

بعد تحرير رقعة المدينة من المليشيا، باتت تعز قابلة للحياة أكثر من أي وقت مضى خلال السنوات الثلاث الماضية، ثم ما إن أصبح الجميع يتجهون نحو شرعنة تواجدهم؛ من جيش وطني مسنود بحاضنة شعبية مؤيدة، وسلطة محلية ذات مهام تطبيعية على رأسها إعادة مؤسسات الدولة إلى العمل، وتسهيل معاملات الناس، وتوفير احتياجاتهم الأساسية دون تقصير أو تنغيص، لجأ البعض إلى صناعة العديد من الفجوات البينية، دون أسباب واقعية، ودون حقائق منسوبة إليه، فقط أراد اصطناع معارك صغيرة؛ ليخفت بذلك نار المعركة الحقيقية المتمثلة بمواجهة مليشيا الحوثي، وصد عدوانهم عن المدينة، وتطهير ما تبقى من مديريات تعز.

فجأة، أصدرت جماعة متطرفة، بياناً مرفقاً بمنشورات تكفيرية، تتهم فيها الجيش ومن ينتسب إليه بالطواغيت، وتتوعدهم بإجراءات رادعة، بما تقتضيه الشريعة كما نشروا حينها.. كان هذا مؤشراً واضحاً  لبدء معركة داخلية تهدف إلى عرقلة مساعي توحيد صفوف رفقاء السلاح، ومدهم بجسور الشرعية؛ ليصبحوا أكثر تنظيماً ضمن إطار متصل بقيادات الجيش الوطني العليا ومؤسساته العسكرية الشرعية.

بات أفراد الجيش الوطني أهدافاً معلنة لجماعات متطرفة، لها دوافعها الظاهرة والباطنة في ضرب مصفوفة الجيش، ووأدها في المهد، حيث كانت يومها في إطار التكوين.. لكن شيئًا لم يحدث، فالجيش استمر في مهام التكوين، على الرغم من استمرار استهداف أفراده وقياداته في مئات المحاولات تارة بالقتل المباشر وتارة بالعبوات الناسفة.. هذه معركة لا تزال مستمرة؛ للنيل من تعز، وجيشها الوطني الذي يُضرب به المثل جسارةً وتنظيما.

بالتزامن، كانت هناك مواجهات بينية، بين كتائب أبي العباس – التي عملت لفترة على محاولة تنظيم أسواق المدينة على هواها – وبين غزوان المخلافي وشلة من مسلحيه، عرقلت هذه المواجهات مسيرة الحياة في تعز، وتسببت في عدد من الضحايا المدنيين، قتلى وجرحى، لأسباب تافهة وتائهة، غير مفهومة، سوى أنها تعرقل جهود التطبيع واستكمال مشروع التحرير الشامل للمحافظة التي عانت وتعاني ويلات الحرب والألم منذ سنوات.

بعدها، حاولت كتائب أبي العباس، بسط نفوذها على المدينة بالقوة، وشهدنا يومها، أياماً عصيبة جراء احتدام المواجهات بينها وبين القوات الحكومية، انتهت باستيلاء الكتائب على مبنى الأمن السياسي وقلعة القاهرة، ومواقع أخرى ذات حساسية بالنظر إلى طور المواجهات مع المليشيا الحوثية، وهذه المواقع تم تجميدها، حيث لم تعد قابلة للاستخدام في معركة التحرير، وباتت ضمن المواقع الفعّالة ضمن دائرة المعارك الصغيرة التي انزلقت إليها تعز بفعل فاعل، رغم استعادة العديد منها، والبدء بترميمها وإصلاحها لمزاولة مهامها في خدمة الشعب!

فالأمن السياسي، وقلعة القاهرة، ومواقع أخرى بأحياء الجمهوري والجحملية، باتت مصادر للموت توزعه على أحياء المدينة الداخلية، فمن وكر لمسلحين يستهدفون كيان الجيش صباح مساء، إلى قصف بعض التباب التابعة للألوية العسكرية الشرعية، إلى معتقلات لاحتجاز المختطفين من جنود الجيش الوطني ورفقاء السلاح بالأمس، وهذه كانت الأسوأ منذ تحرير أجزاء واسعة من المدينة، حيث اختنقت بمن فيها، وبات من الضرورة بمكان أن تُستعاد كافة المواقع وتصبح كلها تحت إدارة واحدة سواء على المستوى المدني أو العسكري.

في الـ11 من أغسطس، شكّل الرئيس هادي لجنة من قياديَيَن عسكريين، لتسوية النزاع في تعز، واستعادة ما تبقّى من المواقع والمؤسسات الحكومية، بعد مواجهات بين قطاعات تابعة للجيش، مع متمردين متشددين يسيطرون على أحياء شرق المدينة، وبتدخل اللجنة تم استعادة المواقع التي كانت تحت سيطرة المتمردين الخارجين عن الدولة، وتسليمها لقوات أمنية وعسكرية تابعة للحكومة الشرعية، وبذلك طوت تعز صفحة سوداء من المهاترات البينية والمعارك الصغيرة التي تُقزّم المهمة الأساسية، مهمة التحرير.

في السياق، من المؤلم، أن هناك مواقف شخصية، تحاول ضرب مساعي تطبيع الحياة في تعز، كتلك التي قام بها نجل قائد اللواء 22 ميكا، الذي نَعَر إلى موقف لا يمت بصلة إلى اللواء الوطني، وتمسك ببعض الصالات الداخلية للمقر السابق للواء، بعد أن سلّمه على مرأى ومسمع من الناس، وهو ما يستوجب الوقوف ضده، ومحاكمته عسكرياً؛ إن لم يعدل عن ما قام به، من إساءة للواء وللجيش الوطني، ومخالفته توجيهات اللجنة الرئاسية.

كما إن بقاء بعض المكونات الحزبية، تحت طائلة التخوين، والاستهداف للكيانات الأخرى، يوسع دائرة المعارك في تعز، ويجعل الوضع أكثر تعقيداً، على المستويين المدني والعسكري، وهذه إشكالية، لها ما بعدها، بصورة آنية أو آجلة، وهذا ما يستغله كثيرون، لإثارة المزيد من المعارك الصغيرة التي تجعل من المعركة الكبيرة، معركةً استثنائية، بعيدة المنال، وصعبة التحقق، وعليها يترتب القبول بهذا الحال، للانشغال بالداخل، وإبقاء الجبهات العسكرية على حالها، دون تحرير أو تمكين للجمهورية فيما تبقى من تعز، وهذه جريمة آثمة، تجعل الحوثيين ذوي نَفَس أعمق للمواجهة، والإمساك بزمام المبادرة؛ لخنق تعز وإعادتها إلى ما كانت عليه من قبل، وقد يتحقق هذا، ما دامت تعز في دائرة المعارك الصغيرة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر