قامت الجمهورية اليمنية في 22مايو 1990م على أسس الديمقراطية وما تقتضيه هذه المنظومة من احتكار السلاح بيد الجيش فقط، كمؤسسة عسكرية مهمتها حفظ الأمن والاستقرار، لكن الانقلاب الذي حصل بعد الوحدة مباشرة كان بالتخلي عن هذا الأساس، وانتشرت الاغتيالات بكثافة، تلاها انقلاب الحزب الاشتراكي على نتائج انتخابات 93 النيابية وصولا إلى حرب 94م.

بعد الحرب دشن صالح الانقلاب الرسمي والنهائي على الديمقراطية وعدل الدستور واستأثر بالحكم وانتهج سياسة أمير الحرب المنتصر الذي يحق له امتلاك مصير الشعب والتحكم فيه وإعادة رسم مصالحه ومقدراته وصياغته على هوى الأسرة المالكة.
 
تأثرت الأحزاب المعارضة لصالح بانقلاب صالح على الديمقراطية فانقلبت هي الأخرى على الديمقراطية رغم أنها أحزاب معارضة ولا تشترك في الحكم، وانغمست نهائيا في فضاء لاديموقراطي عقب انتخابات 2003 وتدشين صالح مشروع التوريث لعائلته. وبدلا من أن تكون الانتخابات بوابة للسلام والصراع السياسي السلمي مثلت مدخلا للبحث عن وسائل جديدة للصراع لا صلة لها بالديمقراطية، وبالسلاح تنتصر الإمامة دوما على كل الفرقاء اليمنيين.
 
انطلقت حرب الإمامة بنسختها الحوثية في صعدة عقب عام واحد من الانتخابات فاستغلها صالح لتصفية خصومه العسكريين والسياسيين وهذا ديدن الأنظمة المستبدة الناتجة عن حركات التحرر الوطني من الاستعمار.
 
ما هو أفظع من ذلك هو انقلاب الأحزاب الوطنية العربية وفي مقدمتها المشترك بأركانه الثلاثة : الإصلاح، الاشتراكي، الناصري، مع بقية الأحزاب والتي وقفت ضد تحركات الجيش ولم تدن الخروج المسلح عن الدولة ، وكما يقول مروان الغفوري اخترعت مصطلح الطرفين للإشارة إلى الدولة التي لم تكن تراها سوى في شخص صالح والحوثيين .
 
لم تتوقف أحزاب المشترك عند هذا الحد بل سوقت للقبول بجماعة الحوثيين كجماعة تمثل منطقة معينة واستلام إعلام المشترك آنذاك جماعة الحوثي من الإمامية إلى الوطنية -رغم تعذر ذلك- وبدلا من الحديث عن التمرد الإمامي راحت تتحدث عن قضية صعدة وحرب صعدة.

ومع توسع الحروب التي شنتها الدولة ضد الحوثيين تولدت بيئة سياسية لصالح وحزبه من جهة والمشترك من جهة أخرى لتوظيف الحرب ضد الخصوم السياسيين، ليأتي العام 2009 وتعلن لجنة الحوار الوطني الناتجة عن المشترك ضم الحوثيين إلى صفوفها باعتبارها شريك للمشترك.
 
وعند انطلاق الثورة الشعبية السلمية لم يكن الحوثيون خصما لأحد بنظر المشترك ويجب الدفع بهم إلى الساحة والأخذ بأيديهم إلى السياسة ليستغل الحوثيون والإماميون هذا التحول الشعبي تجاههم للتغلغل في كل فئات المجتمع ومحافظاته المختلفة، وهو ما كان ليكون لولا المشترك وإعلامه.
 
لم يكن الحوثي يوما سوى إماما، ونتيجة للثورة أزيح صالح عن السلطة فاستخدم نفس الأداة التي استخدمها خصومه ضده لكن بحقد أعمى أي الحوثيين، وعندما اندلعت حرب دماج مؤذنة بحرب إسقاط الجمهورية لم يتعاطف أحد مع السلفيين ولم تقل الأحزاب السياسية إنها موجهة ضد الجمهورية.
 
 وتعد الفترة من  2011 وحتى العاصفة 2015 الفرصة الذهبية المناسبة للإمامة الحوثية للترويج لمشروعها شمالا وشرقا وغربا وجنوبا وحين دخل الحوثي صنعاء لم يجد من يقاتله واستقبل كمخلص من نظام استبدادي .
 
بعد ثلاث سنوات من الحرب الناتجة عن خطايا الأحزاب السياسية حاكمة ومعارضة لا زالت هذه الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والعسكرية المناهضة للإمامة مستمرة في عجلتها المناهضة للديمقراطية وأسس الدولة اليمنية كالجمهورية والوحدة والديمقراطية، وهو ما يعني استمرار الحرب بلا أفق انتصار حاسم، فبعيدا عن الدولة الجمهورية الديمقراطية الموحدة لن يكون المنتصر في هذه الحرب سوى الإمامة وهي تعرف تماما كيف تنتصر.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر