الإرهاب يفترس عدن


همدان الحقب

  الإرهاب يقوض ما أبقت عليه حرب الانقلابيين في عدن من حيوية سياسية ومجتمعية. لقد جعل من عدن مدينة متوحشة في وجه كل مهتم بالشأن العام قاوم الانقلابيين وحشد لهزيمتهم.
 
 وبينما لا نشير إلى المتورطين تصريحا لا تعريضا، يتحرك الإرهاب مستغلا ضعف أداء أجهزة الأمن أو تخليها عن مهامها في هذه اللحظة الفارقة التي يتوجب عليها أن تكرس جهودا جبارة لحماية اليمنيين من هجماته التي تطال- بشكل خاص- قيادات العمل السياسي والمجتمعي مستهدفا بذلك عدن الأرض والإنسان.
 
 عدن المدينة التي طالما مثلت عمقا نضاليا انطلقت منه الكثير من المشاريع الوطنية محلقة عاليا فوق محاولات استلاب الإنسان اليمني واغتصاب حريته. لقد صار واضحا أن كل من كان له دور في مواجهة الانقلاب، امتدت إليه يد الإرهاب، أو هو على موعدٍ مع غدرها.
 
الإرهاب يتجول في شوارع عدن وبين أزقتها، وكأنه سيد الموقف وخيار شرعن له أن يفعل ما يريد، في نفس الوقت الذي تقف فيه أجهزة الأمن عاجزة عن التصدي لإجرامه أو فضح من يقفون خلفه وما يصبوا إليه من مآرب يريدون العبور إليها على جماجم من كانت لهم مواقف مناهضة للظلم، وثائرة ضد النظام السابق، ثم مقاومة لتحالف انقلابه.
 
كان مأمولا من عدن أن تكون فاتحة لبلسمة جراح اليمن، وأن تحتضن مشروع الثورة والدولة بسلام. لكن الإرهاب جعل منها مدينة طاردة مخيفة لكل من حولها، أو حمل فكرة فيها تجاه ما يمر به اليمن من انقلاب، وما ترتب عليه من مآسٍ.
 
 واقع عدن اليوم، يقدم صورة محبطة تجاه كل تلك الآمال والأحلام التي أنيطت بهذه المدينة، ويجعل منها مجرد مربع مستعر لا ينفع معه إلا الرحيل عنه ما دمنا عاجزين عن التصدي للإرهاب وكبح جماحه. هذا واقع مدمر يستهدف الشرعية وفرص بناء الدولة في الصميم. ألا ترون أن الإرهاب- بما شنه من هجمات دامية- قد خلع عن عدن أهليتها لأن تكون عاصمة مؤقته لليمن وحول منها مدينة معطلة الإمكانات والفرص؟ 
 
الإرهاب في عدن- بدرجة أساسية- يريد أن يخلي المجتمع من أدوات تحريكه والتأثير عليه، ليحيلهم بعدها إلى مجتمع سائب يمكن تعطيل الحياة السياسية في أوساطه، واستبدالها بتجمعات ذات طابع معادٍ لتجربة اليمنيين في الحياة السياسية.
 
 بمعنى أدق، أن الإرهاب استهداف للتعدية السياسية، وهو لا يطال قوة بعينها، وإن كان حاليا يختار أكثر ضحاياه من أطراف معينة، إلا أنه ولا شك لن يتوقف حتى يمر عليها جميعا. ذلك أن هدف اجتثاث الحياة السياسية يقتضى أن تبلغ جريمته مداها المطلوب ليتهاوى بعدها الجميع.
 
لا تتوقف مأساة حوادث الإرهاب في اليمن عند ضحاياه المباشرين ومعانات أسرهم، بل أنه يضرب الثقة بين فرقاء الرأي ويشتت جهودهم التي يمكن استثمارها لتوصيفه والقضاء عليه. ويمتد أبعد من هذا، في أن يقدم مع كل حادثة صورة شوهاء عن اليمني في العالم أجمع. يتعزز عند مختلف دول العالم أن اليمني إرهابي أو على استعداد لأن يكون كذلك ما دامت حوادث الإرهاب تتوالى في أكثر من ناحية من بلده. وهو فهم ولا شك ظالم ومن يدري إذا ما كان المصنفون هم أنفسهم داعمون لأدوات الإرهاب، أو على الأقل غاضي الطرف عنها.
 
ما دام الإرهاب مهددا ومقوضا للشرعية وللمجتمع بشكل عام ويتجرع آثاره اليمني حيثما حل أو يمم وجهه، فإن مقاومته والقضاء عليه واجب وطني ملح لا يقل أهمية عن إسقاط الانقلاب وبناء مداميك اليمن الجديد. بل أن كل هذا مشروط بالتصدي له وهزيمته، ولكم أن تنظروا في الصومال الشقيق الذي لم يبدأ شروق استقراره إلا مع غروب شبح الإرهاب عنه.
 
إن عمليات الاغتيال التي طالت أكثر من قائد سياسي أو ناشط أو خطيب مسجد، جرائم لا تسقط بالتقادم، وبقاءنا- سلطة وشعبا- مكتوفي الأيدي حيالها معيب وكارثي يوفر مساحة أكبر للإرهاب ومن يقف خلفه لإهدار مزيدا من الدماء وإمعانا في الدمار والخراب. أما عجز الشرعية عن تأمين مناطق سيطرتها، فسيعجل من القناعة الشاملة بفشلها وغياب حيلتها وسيكون ذلك مقدمة لأفولها.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر